عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق
تشغل المصالحة الوطنية اليوم حيزًا كبيرًا من اهتمام الليبيين، نتيجة لتداعيات أحداث ثورة السابع عشر من فبراير. وطالما نادى النشطاء والمهتمون بإطلاق مبادرة شجاعة تحقن دماء الليبيين، وتحفظ ممتلكاتهم وأموالهم، وتضع حدًا للعنف والكراهية، علي غرار ميثاق الحرابي المُعلن بتاريخ 18 من شهر أبريل 1946م، حيث تعهد فيه عُمد ومشايخ قبائل الحرابي ببرقة وأعيان مدينة درنة المجتمعين بالمؤتمر الوطني المنعقد بجمعية عمر المختار بإقرار الميثاق الوطني، الذي أبرمته الهيئة التأسيسية لمدينة بنغازي، بموافقة الوفد الدرناوي بالنيابة عن المنطقة الشرقية، وقد نص علي تلبية نداء الأمير “محمد إدريس السنوسي” بإيقاف كافة أنواع الخصومات، وتجميد النزاع بين الليبيين، وعدم المطالبة بأي حقوق، إسهامًا في لم شمل الليبيين، وإنطلاق مسيرة بناء دولتهم المدنية، والمطالبة بالحقوق في ظل قيام حكومة شرعية، وأن تكون تلك الدعوة ملزمة للجميع.
فكان الميثاق أشبه بالحج لولادة جديدة، خالية من شوائب وعوالق الماضي، والرغبة ببناء أول دولة منظمة يعيش فيها الليبيون، وقد نجحوا بالفعل في تحقيق ذلك، فكانت أهم دولة القانون والمؤسسات، رغم الفقر والأمية، ومحدودية نسبة الوعي بينهم، فأرسوا من خلال ذلك الميثاق دعائم السلم الإجتماعي، وقدموا مصلحة الوطن علي ما سواها.
الآن وقد تصاعدت الدعوات لإطلاق ميثاق الحرابي 2 أو مشروع مشابه له، علي مستوى إقليم برقة، أو في كافة ربوع ليبيا، فهل يمكن تحقيق هذا المطلب؟ قد يكون ذلك، لكن يبقى السؤال الأهم أنه هل بالإمكان تحقيق مثل هذا المطلب في ظل هذه الظروف ؟ ثمة من يرى تحقيق ذلك، ويعزو هذا الفريق تفاؤله للمشترك بين الزمنين، من سفكٍ للدماء، وتدمير للمتلكات، والشقاق المجتمعي جراء فترة الاستعمار الإيطالي، والنزاعات القبلية علي هامش سلطة الاحتلال، من خلال ترسيم مناطق حيازة الأراضي الزراعية والرعوية المشاعة، ومن خلال التداخل الجغرافي والمجتمعي أيضًا، ناهيك عن خراب بعض العمران، وضياع الممتلكات، في ظل التدافع الدولي على الأرض الليبية.
وبعد أن أفلت فكرة الاستعمار الخشن، وحل محلها ما يعرف مزاحا بالتدخل الناعم بالشؤون الداخلية لميراث المستعمر المدحور، بعد هزيمة قوات المحور أمام عصبة الحلفاء، ومن بينها إيطاليا التي كانت تحتل الأراضي الليبية، فظلت سياسة الإدارة، ونظام الوصاية علي مجتمعات كانت تفتقد للدولة ذات المؤسسات.
غير أن فريق آخر عكس ذلك، من حيث توفر الفرص لنجاح مشروع جديد مماثل لميثاق الحرابي، ومرد ذلك لاختلاف الظروف، وتباين المعطيات، فقد طرأت علي المجتمع الليبي مستجدات ومتغيرات، لم تكن معروفة في ذلك الوقت، فقد خرج الليبيون من زمن الإستعمار وهم ينشدون بناء دولة، ويبغون الخروج من مجتمع فسيفسائي قبلي، لمشروع دولة تجمعهم، بعد أن كانت مرجعيتهم الأولى قبلية صرفة، وبيد مشايخهم، وتركت سطوة المستعمر بقية من إرثه بين الليبيين، بعد حكمهم سياسة القبضة الحديدية، فقد كان الخضوع للسلطة سائدًا، وميسرًا، ناهيك عن انغلاق المجتمع الليبي، وانحصار نشاطه قبليًا داخل المضارب الضيقة لأبناء القبيلة.
أما اليوم فالأمر مختلف تمامًا، فقد دان الليبيون — في غالبيتهم وليسوا كلهم — بالولاء للسلطة القمعية ممثلةً بزعيمها “معمر القذافي” وقد كان يُمسك بخيوط اللعبة، من كافة جوانبها، ينسجها وينكثها متى وكيفما شاء، وبالتالي وجد الليبيون أنفسهم في حلٍ منها عقب قيام ثورة فبراير، ناهيك عن توظيف المال والإعلام، والتخبل بما يعرف “بالسوشيل ميديا” والتي حازت علي صناعة الرأي العام، وتوجيهه طبقا لرغبات أصحاب المشاريع وأهدافهم، المعلنة وغير المعلنة، بالإضافة للتدخل الإجنبي الواضح، وخروج ملف المشكل الليبي من أيدي الليبيين، كل ذلك رأها الفريق الثاني عوامل معرقلة أو مؤخرة لتحقيق ميثاق الحرابي 2 أو ما شابهه .
التدوينة ميثاق الحرابي (2) والأرضية المفقودة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.