الجزيرة نت
منذ أكثر من ثلاث سنوات ومدينة بنغازي، ثاني كبرى المدن الليبية و”شرارة الثورة”، تعيش مواجهات مسلحة وحربا طاحنة داخل أحيائها وأزقتها السكنية، أدت إلى تهجير سكانها وتدمير مبانيها وبنيتها التحتية، وأزهقت فيها الأرواح ونكّل بجثثها عقب العملية العسكرية التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر بحجة إنقاذ البلاد مما أسماه الإرهاب وإنهاء سيطرة “المتشددين الإسلاميين” على الدولة.
مساء الأربعاء الماضي أعلن حفتر في خطاب متلفز تحرير مدينة بنغازي بالكامل مما سماها “الجماعات الإرهابية”، وقدّم شكره للدول الشقيقة والصديقة على مساندتها ووقوفها إلى جانب قواته.
وتسببت عملية الكرامة في حدوث آثار سلبية بالجانب الأمني وانقسام في مؤسسات الدولة، وزيادة في حدة الصراع والكراهية بين شطري البلاد، وتمزق وجرح عميق في النسيج الاجتماعي يحتاج لسنوات عدة لمعالجته.
ارتهان للخارج
ويعتبر محمد الضراط عضو مجلس النواب المقاطع لجلساته أن المرحلة التي تمر بها ليبيا الآن بعد دخول حفتر للمشهد السياسي، “هي أسوء بكثير عما كنا عليه قبل عام 2011″، موضحا أنه في عهد النظام السابق “كنا نقبع تحت الدكتاتورية والهيمنة والاستبداد، لكن هنالك خطوط حمر لليبيا لا يسمح للدول الأخرى تجاوزها”.
ويشير الضراط في حديثه للجزيرة نت إلى أن “أخطر ما أوصلنا إليه حفتر هو ارتهان جزء من ليبيا إلى عدد من الدول التي لديها أجندات ومطامع خاصة، وهي من تحرك حفتر مثل بيادق الشطرنج”، مضيفا أنه لولا الدعم الخارجي له ما كان أن يحقق الانتصارات المزعومة، على حد تعبيره.
المحلل السياسي الليبي محمد فؤاد المقيم في إيطاليا يرى أن المنطقة الشرقية أصبحت الآن تحت حكم العسكر ولا يوجد بها أي حرية ولا ديمقراطية ولا أي علامات لثورة فبراير، بدليل أن معظم المناطق التي تقع تحت سيطرة العسكر لم تحتفل بذكرى الثورة.
ويبين فؤاد في حديثه للجزيرة نت أن العودة لحكم العسكر تعني حكم القذافي لأن حفتر الآن يطمع للوصول إلى السلطة وأن يكون “القذافي الجديد” ليحكم ليبيا.
لن تعود
أما رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان فقال “صحيح بنغازي حصل بها تغيير لكن من الصعب أن تعود لما كانت عليه قبل ثورة فبراير”. ويضيف للجزيرة نت إنه من المبكر الحديث بتعمق عما حدث ببنغازي، لكن توقف العنف والمجموعات المسلحة التي كانت تمارس القتل والاغتيالات بالمدينة أمر جيد، حسب تعبيره.
ويتفق عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي والموالي لعملية الكرامة عصام الجهاني مع زيدان على أن مدينته لن تعود إلى حكم العسكر، مستندا في ذلك على أن حفتر شارك في الثورة، ومشيرا إلى أن صندوق الاقتراع هو الوسيلة الديمقراطية الوحيدة للتداول السلمي للسلطة.
وانتشرت بمدينة بنغازي خلال عملية الكرامة ظاهرة الاعتقالات على الهوية وحملة اغتيالات طالت عددا من الأئمة والشيوخ، وتنكيل وتمثيل بالجثث وحرقها، ونزوح ما يقارب من 19 ألف أسرة من المدينة، إضافة إلى سلسلة من التفجيرات ومحاولات اغتيال شملت مسؤولين بقوات اللواء المتقاعد.
تكلفة ثقيلة
ويعتبر المحلل السياسي عماد الدين المنتصر المقيم بالولايات المتحدة أن ما حققه حفتر عسكريا بتقدم قواته المحدود لا يعتبر نجاحا مقابل تكلفة فاتورة الحرب التي شنها على بنغازي.
ورأى المنتصر في حديثه للجزيرة نت أن النجاح الكبير لحفتر وللثورة المضادة هو عزل ثوار بنغازي عن باقي المدن ووصمهم بالإرهاب، مشيرا إلى أن هذه الإستراتيجية التي يتبعها حفتر ستمكّنه من الاستيلاء على بقية المدن واحدة تلوى الأخرى سائرا على منهجية فرّق تسد.
وبخطوات حفتر القادمة، يقول المنتصر إن اللواء المتقاعد سيحاول مع حلفائه في حكومة الوفاق إغداق الأموال على بنغازي، وفي الوقت نفسه سيتجه لعزل مدن أخرى واستنزافها. ويتفق فؤاد مع ما ذهب إليه المنتصر بقوله إن حفتر سيبدأ بالدخول لمناطق جديدة للسيطرة عليها وتحقيق طموحه لحكم ليبيا كاملة.
وتشهد ليبيا حاليا تعثرا في العملية السياسية، وصراع نفوذ بين طرفي النزاع في شرق وغرب البلاد، حيث يحرص كل منهما على بسط سيطرته على أكبر عدد من المدن والمناطق واعتبار نفسه الجهة الشرعية الوحيدة بالدولة.
التدوينة هل عادت بنغازي “مهد الثورة” إلى حكم العسكر؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.