طرابلس اليوم

الأحد، 9 يوليو 2017

كوارث الخطاب الديني لما يهمل الواقع

,

إنَّ للمنهج الإسلامي ، طبيعة نوعية كالمادة تماماً ؛ التي تتأثر بالبيئة من حولها. فغليان الماء في الضعط الجوي العادي يختلف عنه في الضغط الجوي غير الطبيعي. فإن درجة غليانه في الضغط الجوي العادي هي مئة درجة مئوية، بينما غليانه في ضغط جوي أقل تكون أقل من مئة درجة مئوية. وكذلك لكل معدن درجة حرارة نوعية تختلف باختلاف المعدن ، ونوعه ، ووزنه ، وكثافته ، وبيئته من حوله.

وهكذا طبيعة المنهج الإسلامي يحمل نفس الخصائص ، والمزايا، والمقومات. يتأثر  بمن حوله ، ويتفاعل مع المحيط الذي يعيش فيه. فالأحكام تتغير  ،والفتاوى تتغير والثواب ، والعقاب يتغيران بتغير الزمان ، والمكان ، والعرف ، والعادات ، والتقاليد.  ولقد امتاز المنهج الإسلامي بتلك الواقعية التي فقدتها أكثر المناهج ؛ فكانت الرخصة ، والعزيمة ، والضرورة ، والمصلحة المرسلة ، والعرف ؛ وهي من وسائل المرونة ، والسعة في الفقه الإسلامي ؛ والتي هي نتاج بيئة ، وواقع يتجدد ، ويتغير حتى في العصر ، والجيل الواحد ، بل في  وأيام ، وشهور ؛ حتى لُقب بعصر السرعة.

يقول العلامة ابن القيم –رحمه الله-: (( فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال ومعرفة شواهده وفي القرائن الحالية والمقالية كفقهه في كليات الأحكام أضاع حقوقاً كثيرة على أصحابها ، وحكم بما يعلم الناس بطلانه لا يشكون فيه اعتماداً منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله.

ثم يُردف يقول: فههنا نوعان من الفقه لابد للحاكم منهما

فقه في أحكام الحوادث الكلية

وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق ، والكاذب ، والمحق ، والمبطل ثم يطابق بين هذا ، وهذا فيعطى الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالفاً للواقع.))  الطرق الحكمية. ص/4-5.

هنا  يجعل ابن القيم ؛  الفقه بالواقع جزء من الشريعة ، وتنزيل الحكم ، ويعُدُه ركناً  أصيلاً من أركانه . ونستطيع أنَّ نقول أنَّ الواقع هو المركب الثاني لصحة الحكم من عدمه ، فالفتاوى هي خليط بين  ركن أحكام الحوادث الكلية ، وركن الواقع المُعاش.  حتى تكون مرتبطة باكتشاف قوانين العمران ، والاجتماع ، وبناءً  عليه نستطيع أنَّ نقول أنَّ الفتوى إذا  خلت من الركنين المذكورين  آنفاً ؛ لم تكن شرعية وإن سُميت بذلك ، وأُدخلت فيها بالتأويل.!!

ولقد تنوع فقه الشافعية بين الأم ، والحجَّة ؛ حينما اختلف ، الزمان ، والمكان. وقالوا اختلاف عصر ، وزمان لا اختلاف حجة ، وبرهان.   ولقد خالف مالكٌ الصغير (ابن أبي زيدٍ القيرواني) مالكاً الكبير . حين اتخذ كلباً للحراسة .! فعاتبه تلاميذه لقد نهى مالكٌ عن ذلك.؟  فقال: لو عاش مالكٌ عصرنا لاتخذ أسداً ضاريا.

إنَّ ميزان الخالق دقيق ، ] لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ( الحديد.10. نعم! لا يستوي الإنفاق في زمان الشدة ، والحاجة عن غيره من زمن الكثرة ، والرخاء ؛ فالأجر ليس سواء .

وجاء في الحديث: ( العبادة في الهرج كهجرة إليّ )  ( في الهرج ) أي في أيام الفتن ، وظهور العناد بين العباد .رواه ابن ماجه.صححه الألباني.

إنَّ طبيعة المنهج القرآني دقيقة جداً في مراعاة  واقع المُخَاطبين من المؤمنين ؛ فكان لهم قرآن  مكي يُناسب أوضاعهم النفسية ، والبيئية ، والاجتماعية . فكان تحريم الخمر على مراحل تُناسب طبيعة  تلك المرحلة ، وقرآن مدني يُناسب طبيعة المرحلة الجديدة . ولقد أدرك الفاروق( t) تلك الطبيعة ؛ فعلق ، أحكاماً ، وجدد أخرى ؛  يوم كانت بمنزلة الثوابت لمن قصُر نظره ، وضاق فهمه. فعلق سهم المؤلفة قلوبهم في مصرف الزكاة ؛ حينما تغير الزمان وأصبح بالمسلمين قوة ، ومنعة ، وأوقف تقسيم الأرض المفتوحة ؛ قأصبحت خراجية ؛ لما تغير الزمان ، والحال .

قال العلامة ابن القيم: فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة ، والأمكنة ، والأحوال ، والنيات، والعوائد.

وذكر لها أمثلة عديدة منها : فصل النهي عن قطع الأيدي في الغزو . وذلك لتغير الزمان ، والمكان  فخيف على أن يلحق المسلم بالعدو ؛ فعُطل حدٌ لأجل مصلحة اقتضاها الزمان ، والمكان . وفصل سقوط حد السرقة أيام المجاعة .  وفصل صدقة الفطر حسب قوت المخرجين .

وعند فصل حكم جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد فصل الحكمة في تغير الفتوى بتغير الأحوال . قال:  إذا عرف هذا فهذه المسألة مما تغيرت الفتوى بها بحسب الأزمنة كما عُرفت لما رأته الصحابة من المصلحة لأنَّهم رأوا مفسدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع . فكانت المصلحة في تغير فتوى الصحابة لتغير الزمن ، وحال الناس. وقد قال عمر  تحدث للناس أقضية ؛ بقدر ما أحدثوا من فجور.

 

التدوينة كوارث الخطاب الديني لما يهمل الواقع ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “كوارث الخطاب الديني لما يهمل الواقع”

إرسال تعليق