عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق
تتناوب الأحداث وتتوالى بمنطقتنا العربية، وتستمر بشكلٍ “دراماتيكي” مقلق ومؤسف في ذات الوقت، لعل التاريخ اختارها لتكون “هوليود” الشرق، بممثلين أكبر اتقانًا للأدوار التي يتقمصها عمالقة فن”السينما” هناك، وتبقى المشاهد بين ما هو حقيقة، وما هو خيال، فطاحونة الحدث مازالت تدور في جميع الاتجاهات، والزمن غير الزمن، والقادة غير القادة، والخطاب غير الخطاب، والآليات ليست الأولى، والمُشكل هو المُشكل، يتغير في جزئياته، ولا يخرج عن إطاره العام، تتلون ظواهره وتتغير، وتبقى بواطنه ثابتة على حالها، رغم أن القصور أزاحت خيام الربع الخالي، وأقصت شركة “تويوتا” سفن الصحراء، التي بقيت للزينة والمباهاة، تأكل اللوزيات الممزوجة بالعسل، ويتبارى بها أصحاب الثروات المكدسة، وعلى الرغم من أن سنة التغيير لم تطل هيئة الزي الخليجي، وتنسفه، ولم يتآكل أمام تفنن مصممي الأزياء بروما وباريس، وصمد أمام رياح التغيير التي ضربت منطقتنا العربية بصفة عامة، والخليج بصفة خاصة، إلا أن خلطًا اكتنف المنطقة، وضبابية سادتها، فبدأ التناقض يلوح بين جيلين خليجيين، وتحديدًا بأرض الرسالة، ومهبط الوحي، جيل الأب المؤسس، الملك عبد العزيز، والأبناء من بعده، وجيل الأحفاد، ويبدو أن ظاهر التغيير لاح بالقصور، إلا أن حقيقتة تحاك بمفاهيم الخيمةً، وإن كانت هلهلتها العواصف المحيطة، بعد أن درس جيل الأحفاد بجامعات أوربا وأمريكا، وبعضهم خرج سرًا أو علنًا من دائرة الألواح الصامتة التي رسمها الملك المؤسس، لسياسة بلاده الموحدة، وقد اتخذت من نًسَبِه إسمًا لها، فصارت المملكة السعودية بدل نجد والحجاز، وسار عليها الأبناء طائعين، رغم تقوس ظهور غالبيتهم، وعدم اعتلائهم العرش إلا عند ملامسة مرحلة أرذل العُمر، وإتكائهم علي منسأةٍ لا تهش الغنم، ولا ترعب المارد، لكنها جمعت مشتركًا بينهم لتخطي ملامح الشيخوخة، واعتلال كرسي العرش، ونظام الوصول إليه، بعد أن دانت الجزيرة العربية في الماضي لسلطة آل سعود، وكانوا هم صانعوا الألعاب ومسجلوا أهدافها، ودأبوا على ذلك بالمنطقة العربية، وعينهم علي الفهد الإيراني المشاغب، الذي أطلق العنان لطموحاته وجماحه، وهى في ازدياد مطرد، بعد سقوط بغداد علي يد الأمريكان، وحلفائهم، جراء الغزو العراقي للكويت، لقد رفع الحلفاء من بني قومنا عودًا في وجه العراق، ففقع أعينهم، حتى وإن برزت قوى خليجية جديدة، سواء من حيث قوتها السياسية، أو الإقتصادية، أو حتى الإعلامية، ولهذا خَفُتَ القنديل السعودي، أمام تزايد الطموح الإيراني في امتلاك السلاح النووي، ومتاجرة القوى الدولية النافذة بهذه الورقة، وإرعاب المنطقة بها، وبدأ نشوز واضح، تجلى في الخروج عن بيت الطاعة السعودي، فاستحدث الشركاء قنوات اتصال مع لاعبي ما وراء المحيط، وجالوا قاعة حدوة الفرس، بخمستها الدائمين، وعشرتها المكملين ( بمجلس الأمن ) وتجريف الحاجز الذي يحول بين البعض ودولة بني صهيون.
ونحن كشعوب مستضعفة ندور في فلك الكبار، طائعين ومكرهين، خوفًا وطمعًا، فإننا لا نعلم يقينًا بما يدور بالمطبخ الخلفي للسياسة الدولية، بذات الكيفية التي يراها ملوكنا، ورؤساؤنا، وساستنا، وأن البساط الأحمر، وعزف السلام والنشيد الوطني للضيف قبل المُضيف، والجلسات المريحة علي الأرائك الوتيرة، والمجاملات الصحفية ما هي إلا في إطار العادة، والعرف السياسي ليس إلا، أو ما يعرف “بالبروتوكولات” وأن القاعات المغلقة تخفي ما هو أثقل من الزئبق السياسي، وفي بعض الحالات تتخللها لغة الأزقة والحواري، وتخفي بلاوي وأسرار، كالتي كشفتها الثورة “البلشفية” عام 1917م، حينما فضحت اتفاقية “سايكس بيكو” والتي مازلنا نعاني تبعاتها حتى الساعة.
اليوم تعصف بمنطقة الخليج العربي أحداث بدايتها معلومة، ونهايتها متوقعة، نتيجة مرورها بمرحلة تخبط وتيه سياسي، مع وصول الرئيس الأمريكي ” ترامب ” للسلطة، وإلقاء حجر قانون ” جاسكا” ببركة الإبتزاز البلطجي، فأصبحوا كمن يبحث عن دروبٍ بعاصفة الصحراء.
صحيح أن العراق ارتكب خطأً تاريخيًا فادحًا، باجتاحه دولة الكويت، بغض النظر عن كونه استدرج له، أو أنه كان من بُبنات أفكار زعيمه صدام حسين، لكنهم عالجوا الخطأ بالخطيئة، فكانت المحصلة أن منطقة الخليج برمتها قد حشرت بتلك الواقعة، وتلقت رداتها، وما آلت اليه من نتائج وخيمة علي المنطقة، والأمة علي حد سواء، وكشفت تداعياتها ظهر دول الخليج العربي، وزال الغطاء الذي كان يحجب الوحش الفارسي عن تلك الدول، فوضعتها إيران أمام التهديد العسكري تارةً، وأمام الإبتزاز السياسي تارةً أخرى، حتى وإن جعل ذلك عطشا الجفاف السياسي يردون ذات حوض السقاية، وأكبادهم اليبسة شتى، ها قد جمع السوط الإيراني الشتات، وطرُب الشمعدان الصهيوني له، لأنه يعي طبيعة الصراع أكثر من أهل الصراع، ونتيجة لذلك دست إيران أنفها في أغلب صراعات المنطقة، فعقلية القياصرة مازالت تعشعش تحت عمامة الفقيه السوداء والبيضاء علي حد سواء، ورغم وضوح المطامع السياسية والاقتصادية والعسكرية الفارسية بالمنطقة، إلا أن هاجس الجانب العَقَدِي، يسيطر على أحفاد الخميني، من خلال مشروعهم المتمثل في تصدير الثورة، والهيمنة علي المنطقة وتركيعها، فلم تغب إيران عن لبنان، ومازال حزب الله — ذراع إيران القوي بالمنطقة — يبسط سطوته بسوريا كما بلبنان، وتتحرك باليمن، ومصر، والسودان، وليبيا، لكن بدول الخليج فالحديث عنه يطول فالخلاف حول تسمية الخليج بالعربي أو بالفارسي يشغل كل حيز التفكير “والأيديولجيا” الفارسية، وقليل من نظيره العربي، لكنه ذو أهمية لأحفاد كسرى، حتى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي خالته المنطقة الأنعم اعتدالاً بين زعماء إيران الأخيرين، كان قد اشتاط غضبًا في حضرة أحد أمراء الخليج عندما كرر تسمية الخليج بالعربي، وقال له، لعلك قرأتها بكتب التاريخ غير المنصفة، أو التي طالها التزوير، أما مسألة الجزر العربية الملتهمة من إيران فقد عمل الزمن على تلاشيها ليس من على طاولة المفاوضات، بل من الحديث عنها بالصحف الخليجية، يبقى الخلاف الأول قائمًا، رغم أنه ليس جوهر المشكلة، لكنه قد يكون قادحها، وإن كانت لغة الأرقام ومنطق الجغرافيا يرجحان عروبة الخليج، من خلال طول ساحله، والدول العربية التي تشرف عليه، والحق التاريخي، والبعد الجغرافي، أو من خلال ثلثي مساحته التي تقع تحت سيطرة العرب، فهل ستكون التسمية مؤدية لمعركة ” ذي قار” التي وحدت قبائل العرب زمن التيه، أمام جحافل الغزو الفارسي، وتُثبْتُ الدُسر العربية ألواح الخليج، أم أن السوس الفارسي سينخر الألواح، وستنحني الدسر بغعل صدأ الخلافات العربية، علي حد سواء.
التدوينة الخليج بين ألواح فارس ودُسر العرب ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.