طرابلس اليوم

الأحد، 26 نوفمبر 2017

العبودية

,

شكري الحاسي/ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

في وصف وكشف قرآني دقيق لخلجات نفوس العبيد ، قال تعالى : يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ ٢١ قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ  إنَّ هذه الآيات الكريمة تصف لنا وصفاً دقيقاً لنفسية العبيد الذين يفرون من الحرية والكرامة والعزة إلى الذل والعبودية والمهانة      قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمَا ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ  ثم تبين لنا أنَّ الأحرار قلة دون الكثرة الَّتي تعشق العبودية ولا تتكاثر إلا في مجاري وبرك الاستبداد . قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ  ثم تبين مآل العبيد الأذلاء الذين استبدلوا الذي هو خير بالذي هو أدنى ! بالتيه في الأرض أربعين سنة .

إنَّ العبودية حاجة ملحة في نفس الكائن الحي بل ، في نفس كل مخلوق لا خالق ؛ لأنَّه يستشعر حاجته  إلى قوة كبرى حتَّى تسكن نفسه ، وتستقر أوصاله فهي غريزة ، وجِبلة غُرست في مفاصل كل كائن . وهي نبتة تذلل المخلوق للخالق . والعبودية الحقَّة كما يراها ابن تيمية : ’’ أنَّ الرق ، والعبودية في الحقيقة هو رق القلب ، وعبوديته فمن استرق القلب ، واستعبده فهو عبده . ولهذا يقال : العبد حر ما قنع … والحر عبد ما طمع

وقال الشاعر : أطعتُ مطامعي فاستعبدتني … ولو أنِّي قنعت لكنت حرًّا

وهكذا حال من كان متعلقاً برئاسة أو بصورة – ونحو ذلك من أهواء نفسه – إن حصل له رضي ، وإن لم يحصل له سخط فهذا عبدُ ما يهواه من ذلك وهو رقيق . ’’   وهكذا شهوات النَّفس ، وخفايها ، ومطامعها تنخر في نفس الإنسان حتَّى تحط من منزلته ، وإنسانيته .  فالطمع قيدٌ في العنق مذلة لكرامة الإنسان مهانة لكبريائه تجعله ساجداً خاشعاً يتوسل الأعتاب ، والأبواب كلما طرده سيد ! بحث عن آخر لأشباع غريزة الذل ، والعبودية المُلحة عليه ، والمستأثرة بقلبه ….  ولهذا يُعد العشق ، وتعلق القلب من أعظم أنواع العذاب ، فإنَّ العاشق لصورة إذا بقي قلبه مُتعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر ، والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى فداوم تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة ؛ أشد ضرراً عليه ممن يفعل ذنباً ، ثم يتوب منه ، ويزول أثره من قلبه وهؤلاء يُشبّهون بالسكارى ، والمجانين كما قيل :سُكران سُكر هوىً وسُكر مدامة … ومتى إفاقة من به سُكران ؟

وقيل : قالوا جُننتَ بمن تهوى فقلت لهم … العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهرَ صاحبُه … وإنَّما يُصرع المجنون في حين

ولم قام إبراهم لنكون بما عُرف بثور تحرير العبيد ، عاد المحررون إلى أسيادهم في بحر أيام قليلة تلبية لغريزة العبودية لا للفطرة .

إنَّ العبودية مرض عُضال حتَّى في علاجه ويُعد من أصعب الأمور فهو أشد فتكاً في القلب من أمراض البدن . وتحتاج إلى وقت طويل ودوام واستمرار علَّها تنجح في استئصاله ، أو التخفيف منه . وهذا هو السر في تدرج الإسلام في قضية الرق ، وعدم اتخاذه موقفاً قطعياً منها . فالتَّحول من حال العبودية إلى حال الحرية ، والصحة ليس بالأمر الهين . فالطيور الَّتي تعيش في الأقفاص  تعتقد أنَّ الطيران جريمة تستحق العقاب ، ولهذا تنقلب الموازين في نفوس العبيد حينما تُستنفر فيهم نخوة الحرية ولو للحظات فيعُدونها جريمة ؛ تستحق سوط السيد المتفضل !!؟؟  إنَّ للكرمة ، والحرية ضريبة باهظة لا يطيقها العبيد ؛ فتختار الذل والمهانة هرباً من تكاليف الحرية ، والعزة فالشعوب الَّتي تفر من ضريبة الحرية ، والعزة لفترة قليلة وبأثمان زهيدة ؛ فسوف تدفعها أضعافاً مُضاعفة ، ولفترات طويلة ، وبتكلفة كبيرة . إنَّه لابد من ضريبة يدفعها الأفراد والجماعات ، والشعوب ؛ إما في سبيل الحرية والكرامة ، والعزة ؛ وإما في سبيل العبودية والذلة والمهانة . فالذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة . وعبودية القلب ، وأسره هي الَّتي يترتب عليها الثواب والعقاب ، ولو أكره على التكلم بالكفر فتكلم به ، وقلبه مطمئن بالإيمان لم يضره ذلك ، وأما من استُعبد قلبه فصار عبدا لغير الله ؛ فهذا يضره ذلك ولو كان في الظاهر ملك النَّاس .

فالحرية الحقيقة هي : حرية القلب ، والعبودية عبودية القلب كما أنَّ الغنى غنى النفس ، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم : ” ليس الغنى عن كثرة العرض وإنَّما الغنى غنى النفس ” . وعليه كان تصور الإسلام ، وفلسفته لرد الإنسان إلى فطرته الَّتي فُطر عليها من توحيد الخالق، وتعبيده لهل وحده ؛ هي نقطة البداية في تحرير الإنسان كل الإنسان في كل الأرض من معبود ومتبوع ومطاع وهذا هو جوهر التَّوحيد، وشعاره ولافتته الكبرى ’’ لا إهه إلا الهخ ’’   ولهذا لم تعرف البشرية رجلاً حطم صنم العبودية في كل جانب ومنعطف من جوانب الحياة . مثل : محمد بن عبدالهن

“فمن ولد ليزحف لن يستطيع الطيران”

التدوينة العبودية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “العبودية”

إرسال تعليق