طرابلس اليوم

الاثنين، 27 نوفمبر 2017

حمامة علي يونس

,

فجأة قرر صديقنا علي يونس أن يربي حمام.. وبعد عناء وإلحاح وسكنان، وافق الحاج يونس رحمة الله عليه ومنحه خمسة وثلاثون قرشا، اشتري بها زوج حمام.. ذكر أسود كئيب حين تراه يخال إليك أنه يفكر في الانتحار..وأنثي بيضاء جميلة.

بعد أسبوعين من نتف ريشهما للتعود علي بيتها الجديد، استعادت الحمامتان ريشهما وصارت الأنثي البيضاء تطير وتحط بالقرب منا بحيوية.. أما الذكر فنادرا مايخرج ويبقي قابعا في الداخل كشايب متقاعد سيئ المزاج.

هام علي يونس عشقا بحمامته البيضاء وأحبها بعنف فلم يعد له حديث سواها.

ذلك اليوم كان أول أيام عطلة منتصف السنة، وكنا في الصف الخامس أو السادس الابتدائي .. في ذلك التوقيت عادة تصبح منطقة الكويفية في بنغازي، بساطا متصلا من الخبيز الأخضر وزهور الربيع الصفراء والحمراء، فقررنا أن نذهب في رحلة (زردة).

عادة لا تزيد مكونات زرادينا تلك عن حبات طماطم وبصل وبراد شاهي.. لكننا يومها- ومن باب إثبات البلوغ، قررنا أن نطهو مكرونة.. وأكد(الحمر) علي محمد إبراهيم أنه يعرف ويجيد طهيها (تبين لاحقا أنه عمره مادارها).

جلبنا كل المكونات لكن أمهاتنا كلهن رفضن منحنا قطعة لحم أو دجاج.. كانت ردودهن جميعا تتراوح بين السخرية والطرد المباشر..مصحوبا بعبارة موحدة ( ناقص علينا غير اوجوهكم).

أُسقط في أيدينا وبدأ حلم زردة المكرونة يتبخر.

جلسنا بصمت وخيبة أمل علي نبات الخبيز وتكاد أوراقه تغطي أجسادنا الصغيرة.

كانت حمامة علي يونس تتهادي بالقرب منا كفتاة لعوب.. نظرنا أنا والشيخ مصطفي إلى الحمامة، ثم التقت نظراتنا.. يبدو أننا نفكر في نفس الأمر.. قلنا بصوت واحد (شن رأيكم في مكرونة بالحمام) وأشرنا إلى حمامة علي يونس.. تساءل بعض أصحاب الضمير الحي( بس مش حرام ؟؟) تبرعت أنا بالفتوي.. ليش حرام.. الحمامة مجرد طائر مثل الطيور التي نصطادها ما الفرق؟!

اقتنع أصحاب الضمير الحي فورا، وكلفنا القناص علي محمد إبراهيم بإصابة الحمامة البيضاء الجميلة..لم يخيب علي ظننا..وكان أمرا مقضيا.

حملنا الحميمة المسكينة وكأننا تحصلنا علي خروف.. وهناك خلف البيوت (فرفصناها) إلى قطع صغيرة .. وتم طهو شئ يشبه المكرونة إلى حد ما.

بدأنا بالأكل لنلمح، علي يونس قادما إلينا.. بالطبع أخفينا الأمر عليه، وقلنا إنها يمامة برية اصطدناها.

تناول معنا المكرونة.. سألته ( كيف حال حمامتك البيضاء). فرّقص حاجبيه بفرح وهو يجيبني: قريب اتدحي.. المسكين كان في تلك اللحظة يفصص رقبة المرحومة بين أسنانه.

عدنا إلى بيوتنا.. افتقد علي حمامته.. طاف علي كل البيوت القريبة، علها حطت على أحدها .. وسع دائرة البحث للبيوت الأبعد. كنت أرافقه أحيانا للبحث عنها من باب حق الصديق علي صديقه.. بعد أسابيع أصابه اليأس.

إلى يومنا هذا كلما استمعت إلى أغنية (شادي) للسيدة فيروز، تذكرت علي يونس، وهو يجلس علي حيطة قدام حوشهم عند الغروب رافعا عينيه بحزن إلى السماء كلما مر سرب حمام منتظرا عودة شادي.

التدوينة حمامة علي يونس ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “حمامة علي يونس”

إرسال تعليق