طرابلس اليوم

الأحد، 20 مايو 2018

هل تعطل معركة درنة الاستفتاء على الدستور والانتخابات الليبية؟

,

مدينة درنة عاصمة الثقافة والشعر في ليبيا، التي كانت مسرحا لمعارك ومناظرات فكرية وأدبية، غدت مسرحا لمعارك حامية الوطيس بين الجيش الليبي الذي يقوده المشير المُعين من البرلمان خليفة حفتر، ومجموعات مسلحة يُعتقد أنها تنتمي إلى «تنظيم الدولة في العراق والشام». وأخضعت قوات حفتر المدينة إلى حصار شديد منذ أسابيع، فيما شن سلاح الطيران هجمات متكررة على مواقع داخل المدينة وفي محيطها يُرجح أن عناصر التنظيم تسيطر عليها. وتُعتبر معركة درنة، التي كانت موئلا للحركات الأصولية المسلحة في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي، الفصل الثاني من عملية «البنيان المرصوص» التي نفذتها قوات مدينة مصراتة لإخراج عناصر «داعش» من مدينة سرت الاستراتيجية، التي تقع بين المنطقتين الشرقية والغربية من ليبيا. وبما أن خطاب حفتر يقوم على شعار مكافحة الجماعات الإرهابية، لتبرير وضع المنطقة الشرقية في قبضته الأمنية والعسكرية، كان يتمنى أن تكون قواته هي التي قامت بـ«تنظيف» سرت من الجماعات المسلحة. وبهذا المعنى تُعتبر معركة درنة معركة حفتر، إذ أن حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، لم تُخف تحفظها على شن هذه المعركة. وعبر رئيس الحكومة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج عن «قلقه الشديد» من العمليات العسكرية الجارية في درنة، وحذر من «مخاطرها وما يمكن أن تُسببه من خسائر في صفوف المدنيين وللبنية التحتية في المدينة». ويذهب بعض المؤيدين لحفتر إلى حد اتهام حكومة السراج بمد «داعش» في شرق ليبيا بالسلاح لتوسعة رقعة مناهضي غريمها حفتر، وإن أكد السراج وقوفه ضد الإرهاب بكافة صوره ومسمياته وأشكاله، وهو الذي دعا مراراً «لتوحيد الصف في مواجهته».

وتجدر الملاحظة أن موقف السراج أتى بعدما دعاه منصور الحصادي عضو مجلس الدولة عن «حزب العدالة والبناء» ذي التوجُه الإسلامي، إلى تحديد موقفه في شأن تهديد المدنيين وخرق القانون الدولي الإنساني. وهي المصطلحات نفسها التي استخدمها السراج لاحقا في بيانه. بالمقابل يكثر الحديث عن عودة «داعش» إلى محيط مدينة سرت، إذ أكد المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص العثور على صواريخ أثناء تمشيط المنطقة الواقعة جنوب المدينة.

ومع استمرار تعفُن الوضع السياسي وإرجاء تحديد ميقات الاستفتاء والانتخابات، تتوسع عزلة المجلس الرئاسي ويُساهم في تعميقها كشف الغطاء بين الفينة والأخرى عن عمليات فساد جديدة، كان آخرها الأمر الذي أصدره رئيس هيئة الرقابة الإدارية المكلف نصر حسن، القاضي بإيقاف وزير الاقتصاد والصناعة في حكومة الوفاق ناصر فضل الدرسي عن العمل احتياطا. وأتى القرار في أعقاب بيان أصدره رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وأعلن فيه عن اتخاذ الهيئة إجراءات تخص إنهاء لجنة الاشراف على تنفيذ مشروع المدينة الإدارية في العاصمة المالية باماكو، وتحويل الأرصدة من الحسابات الخاصة بالمشروع إلى مصرف ليبيا المركزي، واستكمال إجراءات تصفية أموال المشروع وموجوداته. كما استدعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وزير الصحة المفوض في حكومة الوفاق عمر البشير للتحقيق معه في قضايا لها صلة بشبهات فساد، ولم يُعرف بعدُ ما أسفرت عنه التحريات.

وتستثمر التيارات السياسية التي تشكل امتدادا للنظام السابق هذا المناخ، لكي تتموقع في المشهد الراهن، ولا تُخفي مراهنتها على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة من أجل رد الاعتبار لرموزها واستعادة بعض نفوذها السابق. وبعد تأكيد أوساط قريبة من سيف الاسلام القذافي رغبته المشاركة في الانتخابات المقبلة في فرعيها الرئاسي والبرلماني، تم الحكم ببراءة شقيقه الساعدي من تهمة قتل لاعب نادي الاتحاد السابق بشير الرياني. وكانت «الرابطة العامة للأسرى والمعتقلين والمفقودين والمُغيبين قسرا في ليبيا» أفادت أن مكتب النائب العام لا يُمانع الافراج عن الساعدي بعدما برأته محكمة شمال طرابلس من التهم المنسوبة له. واستفاد تياران سياسيان من استمرار الصراع بين سلطات الشرق والغرب، هما عناصر النظام السابق وأنصار عودة الملكية. ويُظهر التياران دينامية كبيرة في بعض المناطق الليبية مثل بني وليد وورشفانة في إطار الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، في منــاخ من التنافس بين الغريمين التاريخيين.

غير أن الأزمة الاقتصادية ما زالت تُلقي بظلالها على الوضع العام، إذ لولا ارتفاع الإنتاج المحلي من النفط إلى 1.1 مليون برميل في اليوم وزيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية، لغرقت ليبيا في أزمة نقدية ومالية يصعب الخروج منها. وتحدث تقرير جديد للأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش عن اتساع رقعة الفساد وتزايد عمليات التهريب عبر الحدود، وخاصة المواد المدعومة مثل المحروقات. وحذر من تفاقم الأزمة المالية والنقدية في الأمد الطويل إن لم تُعالج «المشاكل الهيكلية للاقتصاد الليبي». وعزا الاختلالات إلى التلاعب بسعر الصرف الرسمي بُغية تحقيق أرباح فورية في السوق السوداء «ما يؤدي إلى رفع الأسعار وإحداث نقص في السلع الأساسية» طبقا لما جاء في التقرير. وبسبب انهيار سعر صرف الدينار (دولار في مقابل 9 دنانير) باتت الموازنة العامة تكفي بالكاد لصرف رواتب موظفي الدولة، ولا تُخصص اعتمادات للاستثمار ولا لصيانة المستشفيات والمدارس. ويُشير خبراء إلى أن هذا الوضع أدى إلى بروز فئة اجتماعية تشارك في نهب المال العام، ومن مصلحتها استمرار الوضع الراهن، وهي تبذل قصارى الجهد لإحباط الاستعدادات لإجراء الانتخابات والاستفتاء على مشروع الدستور.

القدس العربي

التدوينة هل تعطل معركة درنة الاستفتاء على الدستور والانتخابات الليبية؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “هل تعطل معركة درنة الاستفتاء على الدستور والانتخابات الليبية؟”

إرسال تعليق