طرابلس اليوم

الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

السلوك السياسي بين المنافسة والمغالبة

,

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

الاختلاف والتعددية من طبيعة المجتمعات الإنسانية التي لا يمكن القضاء عليها إلا بالظلم والاستبداد، ولعلّ أوسع مجالات اختلاف الرأي وتعدده هو مجال السياسة حيث فطرت النفس البشرية على حب القيادة وتولي السلطة، لذلك فإن هذا المجال مشحون بأجواء المنافسة والتدافع بين كل الساعين للسلطة، ولا شكّ أن هذا التدافع والتنافس يوجب على كل ساعٍ للسلطة أن يقدم أفضل ما لديه لينال ثقة الناخب وصوته الذي يعبر به إلى مركز السلطة، وهذا ما يجعل من عملية المنافسة السياسية سلوكاً ديمقراطياً يحافظ على مبدأ التعددية والتداول السلمي على السلطة، ويضمن الحرص على المصلحة الوطنية من خلال محاسبة ومراقبة مختلف الأطراف لبعضها.

لذلك فإن المناخ السياسي الملائم للبيئة الديمقراطية المستقرّة لا يمكن أن يوجد بدون التنافس الحقيقي بين عناصره المتمثلة في مختلف التيارات والقوى السياسية، ومتى غاب هذا التنافس أو غُيّب اختنق المناخ السياسي بانبعاثات الدكتاتورية والاستبداد التي تختلف مستويات كثافتها من بيئة لأخرى وإن كانت في عمومها تقضي على ما توفره التعددية من ضمان للمصلحة الوطنية الناتج عن التنافس بين الأطراف السياسية والمراقبة والمحاسبة فيما بينها.

ومن هنا كان من أهم لوازم التنافس السياسي المرونة العالية للانتقال من مركز السلطة إلى مركز المعارضة والمقدرة على أداء مختلف الأدوار السياسية بما يحفظ للعملية السياسية حيويتها ويصون المصلحة الوطنية من الضياع أو الخسارة، وبانعدام هذه المرونة والمقدرة على أداء مختلف الأدوار السياسية والإصرار على التمسك بالسلطة ومحاولة الالتفاف على التداول السلمي عليها تتحول المنافسة السياسية إلى مغالبة على السلطة ومحاولة استحواذ عليها مما يؤدي إلى ازدحام وتكدَس في مركز السلطة يصيبها بالشلل وعدم الفاعلية مما يجعل منطق المحاصصة هو السائد ويؤدي بالتالي إلى تأزم ينعكس انقساما وتفككا في مؤسسات الدولة وهياكلها.

إنّ التأطير السابق يمكن من خلاله معرفة أحد أهم أسباب استمرار الأزمة السياسية في ليبيا والتي بلغت ذروتها في الانقسام الحاصل سنة 2014 والذي كان نتيجة سلوك معظم الأطراف السياسية مسلك المغالبة وإن اختلفت وتيرته من فترة للأخرى، ولعلّ أهم أسباب انتهاج أغلب الأطراف لهذا السلوك هو دخولها العملية السياسية في حالة ثورية كرّست شعور الوصاية على ثورة فبراير والتمثيل الحصري لها، ثم توالت الأحداث وتفاقمت الأزمات بسبب قلة الخبرة السياسية مما ولّد حالة من عدم الثقة وصلت في كثير من الأحيان إلى صراع مسلح مما أدى في نهاية المطاف إلى جلوس كافة الأطراف على طاولة الحوار بسبب الضغط الإقليمي والدولي، ونتج عن ذلك اتفاق الصخيرات الذي وقّع في أجواء من المغالبة والتعنت وإن كانت تحت شعار الوفاق.

لقد تعلمت أغلب الأطراف السياسية درسا مراً وقاسيا انعكست آثاره على الوطن خاصةفي الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات والتنمية والنسيج الاجتماعي، كما أبدت تيارات سياسية في حوار الصخيرات مرونة ومقدرة عالية في الحفاظ على المسار الوطني رغم الصعوبات والعوائق مما سيزيد في رصيدها وزخمها السياسي، إلا أن إصرار الأطراف الداعمة لعملية الكرامة على نهج المغالبة والتعنت، ورفض كل المقاربات والحلول أصبح يشبه ما يمكن وصفه بعملية تعذيب ممنهج لجسد الوطن المثخن بآلامه وجراحاته، خاصة وأن المبررات لاستمرار هذه المعاندة والمكابرة أصبحت واهية في ظل الفشل الواضح لهذه العملية في بسط الأمن داخل مدينة بنغازي وعدم تحقيقها أي هدف إلا استمرار الأزمة والمعاناة.

إن جعل اتفاق الصخيرات إطارا وطنيا للمنافسة السياسية للعبور بالوطن من الأزمة الحالية والوصول به إلى مرحلة الاستقرار ضمن إطار دستوري واضح وأجسام موحدة هو السلوك الواجب نهجه اليوم بعيد عن المغالبة والمزايدة في مرحلة أصبح الوقت يمثل فيها عاملا حاسما لا يمكن تجاهله أو التغافل عنه.

التدوينة السلوك السياسي بين المنافسة والمغالبة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “السلوك السياسي بين المنافسة والمغالبة”

إرسال تعليق