أخلاق القصّر

احميد اعويدات/ كاتب من جنوب ليبيا

ليس هنالك فرق بين من يقتل شرقاً وغرباً، لكن أن تحلل جريمتك وتشرّعها باسم أيّ كان فلا فرق بينك وبين من كنت تدّعي أنّك تحاربهم.

خلال الأيّام الماضية خرجت علينا شخصيات أقلُّ ما يمكن وصفها به هوأنها تافهة، لم تندّد بالجريمة في كونها ضدّ الإنسانية وعمل تجرّمه كل القوانين ليس في ديانتهم التي يدّعون الانتماء لها فقط، بل حتى في القوانين التي يدّعون أنهم أقروها للحفاظ على مصلحة شعبهم الكريم.

لستُ في صدد الكلام عن وحشيّة الجريمة التّي تمت في الأبيار أوحتى في أطفال درنة، بل عن شخصيّات حاولت تحوير الحوار في أكثر من منبر إعلامي نوّاباً كانوا أوعساكر، بل حتى هؤلاء النشطاء الذين صموا أذاننا بجرائم  تحدث بعيداً عن منازلهم، وطمست ألسنتهم كما اتضح بكونهم لا يحاربون فعلها بل فقط نكاية في فاعلها، في تطرّف ثنائية الميول لطرف دون الآخر.

أن تصف قتل مجموعة أطفال بدرنة بأنه شيء عادي ومشرعن كذلك، وتتذرّع بكون “ميليشيات الغرب الليبي” تقوم بنفس هذه الأفاعيل في أحاديث لا تخرج إلا من شخصية حمقاء، إذاً فمن تشرعن لها هذا الفعل هي ميليشيّات أيضاً.

الأمر المخزي كذلك هو كون شخصيّات محسوبة على هرم الدولة الهش، صفّقت لهذه الجريمة، بل لم ينته بها الأمر هكذا فقط  حتى وصلت إلى تشجّيع هذه الأفاعيل مرة أخرى، هؤلاء وغيرهم هم دواعش الدولة الحقيقية التي يجب محاربتهم فهم لا عمل لهم إلا زيادة تلك الشقوق والتصدّعات بين الليبيين في نسيجهم الاجتماعي .

هم أرذل القوم في حديثهم، بل لا ننسى تناطحهم مع القيادات الإرهابية في مصر على من قام بشرف قتل هؤلاء الصغار بالأمس القريب، وهم يتقيئون حديثاً حتى صغارنا تركوه منذ زمن.

يبدو أن مسلسلاً جديداً سيكونون أبطاله سيبدأ قريباً،  كمية العهر الأخلاقي والتبريرات التي لا يمكنني عدّها أو حتى فقط ذكر بعضها، على كونها شيء عادي يحدث في كل أنحاء العالم، فلماذا هذا الضجيج المطوّل عنها؟ أو أنها الحل الأمثل للقضاء على الإرهاب كما قال أحد من سيكتب دستور البلاد القادم،  الذي قد يشرعن القتل بأمثلة شخص كهذا.

سقوط أخلاقي وإنساني إلى القاع، هذا ما كشفت عنه تلك المنابر الإعلامية عن كل الأحداث في الفترة الماضية، وأصبح التبرير للجرائم وعدم الاكتراث لها، بل فقط تبريرها وإعطاءها غطاء يلتحف به مرتكبها هي السمة الأبرز في قادم الأيّام ، وتأكيد انتماء كل القتلى  على أنهم إرهابيون والخوارج زيادة على ما تم ذكره، هوفي نفسه سخافة، أو فقط كما يحبون أن يصفوه  بالراحة  لأنفسهم المريضة  وضمائرهم هذا إن وجدت لديهم حقاً.

لا يوجد أي ضمير حي يمكن أن يستوعب هذه الأفعال أو حتى يقبل بصاحبها أيّاً كان، ذلك المنظر الذي اختزل قبح وفظاعة الجرم المشئوم على مستوى البلاد في الأبيار، حتى صُدمنا بمشهد أطفال درنة التي أصبح حصارها مؤشراً على عهر ساستنا وعلى مستوى شهامتهم وكرمهم على مدينة ليبية قطعت عنها كافّة سبل الحياة.

هذا المشهد القاتم بسواده، المشبع بعهر الأخلاق وتعفّن أنفس أصحابها من يمكن وصفهم بالسياسيين القصّر، هم وكذلك أولئك المدّعين للدفاع عن الحقوق المدنية والمهلّلين لشعارات دولة المؤسسات والقانون الصادحين بحق الحياة، فإذا ما أسعفتهم الأيام  كما يداورها الله بين النّاس في تطرّفهم هذا، فلينظروا  فقط لمن تقطّعت قلوبهم بمقتل أبناءهم ويضعوا أنفسهم في أماكنهم .

التطرّف لن يجلب إلا مثيله، والقتل سينتج فقط الكراهية، لعن الله التربة قبل البذرة والشجرة قبل الورقة والثمرة قبل ماء الري.

التدوينة أخلاق القصّر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.