طرابلس اليوم

الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

مهجرون وقريباً عائدون

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

مر على الأزمة الليبية عديد المحطات منذ اندلاع الثورة وحتى يومنا هذا ، تغيرت معادلات وتبادل كثيرون الأدوار ، فتحت ملفات وأغلقت أخرى وتصاعدت حدة التوتر أحياناكثيرة وهدأت في أوقات أقل ، وكل هذا ولا يزال يدفع المواطن العادي ثمن هذه التجاذبات على شكل فواتير أزمات تمسه هو دون غيره من المتصارعين .

كل هذه الفواتير التي يدفعها المواطن يتحدث عنها كثيرون سواء عبر وسائل الإعلام المختلفة أو عبر ردود أفعال تكونت تجاهها فمثلت ضغطاً في عديد الملفات حل بعضها وبعضها الآخر ينتظر ، ولكن تظل هنالك ملفات وقضايا تمس المواطن لم يتطرق إليها كثيرون من الإعلاميين أو من نشطاء المجتمع المدني ، ومن هذه الملفات قضية أبناء المهجرين أو النازحين خارج الديار الليبية وأخص بالذكر أولئك الذين ولدوا خارج ليبيا من أبناء المهجرين والنازحين بعد ثورة السابع عشر من فبراير .

يعيش هؤلاء الأبناء وسط مجتمع وإن كان جاراً كتونس ومصر ولكنه يحمل عادات وثقافات تختلف في كثير من التفاصيل عن ثقافاتنا نحن في ليبيا ناهيك عن اللهجة واللغة وطريقة العيش والتعامل مع المجتمع ، وقد يقول البعض بأن الأسرة تحيط عنايتها بأبنائها في هذه المجتمعات فيحاول الأب والأم أن يربوا أبنائهم في بيئة أسرية ليبية خالصة ، ولكن لن يتجاوز هذا الأمر حدود البيت الذين يسكنونه ، فما إن خرجوا للشارع وذهبوا للمدارس واختلطوا بأبناء تلك المجتمعات حتى يبدأوا في التشرب من الثقافات والتعاملات التي تحمل في تفاصيلها شذوذاً عن مجتمعنا وخصوصيته ، وهنا أنا لا أنتقص من ثقافة وطريقة عيش غيرنا ولكن التأثر السلبي بما لدى غيرنا هو ما أقصده .

ولا تتوقف المشكلة المعروضة الآن في هذا المقال على تشرب الثقافات وحدها فهناك أزمات كثيرة أخرى تخص الحالة التي يعيشها أبناء المهجرين خارج ليبيا ولكنها تتعداها إلى أمور أخرى كالتسرب من المدارس نتيجة الحالة المادية للآباء جراء هجرتهم التي لم يختاروها بأنفسهم فلم تسعفهم حالتهم الاقتصادية بأن يصنعوا لأنفسهم ولأبنائهم مستقراً يوفر الحياة الكريمة ، فلقد اختار كثير من أبناء الليبيين البقاء في المنزل أو الذهاب إلى العمل ليساعد أباه لسد رمق العيش والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار السكني فلا يهم هنا أكثر من توفير المسكن والأكل والشراب ، مما قد يعتبر التفكير في التعلم والتردد على المدارس من رفاهة الحديث .

وعوداً على مسألة تشرب الثقافات فنحن في ليبيا لنا تاريخ قريب يتطابق مع هذه المسألة وهو المصطلح المتداول بين الليبيين والمعروف بــ( العايدون أو العائدون ) وهم ليبيون قرروا الهجرة عن ليبيا في أزمان سابقة نتيجة أعوام المجاعة وأيضاً فيما بعد هرباً من ويلات الاحتلال الايطالي ، فغادر منهم إلى مصر وتونس وبلاد الشام ، وعندما عاد كثيرون منهم ومن أبنائهم للاستقرار في بلدهم ليبيا أحضروا معهم ثقافات وتقاليد ومعيشة البلدان التي لجأوا إليها ، فواجههم الليبيون بكثير من الازدراء والعداوة الأخلاقية والنفور وأصبح مصطلح العايدون بمثابة المسبة المجتمعية لهؤلاء ، وهم أبناء هذا الوطن غير أنهم قرروا في فترة من الفترات مجبرين على تركه .

وللأسف ولأننا شعب يمتلك ثقافة سلبية تجاه قضاياه فلا أعتقد بأن تكون حال أبناء المهجرين خارج ليبيا في هذا الزمن وبعد عودتهم إلى بلدانهم أفضل حالاً ممن سبقهم في الهجرات الأولى ، وإن اختلف الأمر قليلاً فذاكرة الليبيين اليوم أقوى نسبياً فعلى الأقل لن ينفر الليبيون من أبنائهم العائدين بسبب معرفة جلهم للعائلات التي هجرت ولكن يظل مخوف النفور من الثقافات المصاحبة لهم هو المسيطر .

وكان لي حديث مع أحد المسؤولين في إدارة المصالحة بوزارة الداخلية طارحاً معه نقاشاً حول هذا الملف وما فعلوا أو ما سيفعلون حياله سواء على المستوى المجتمعي أو الأمني ولم يفدني بشيء إيجابي أو خطط لا على المدى القصير ولا الطويل حيال هذا الملف الهام ، مما جعلني أفكر في كتابة مقال حول هذا الأمر لعله ينال قسطاً من الاهتمام وتقوم الدولة في جميع مؤسساتها المهتمة والمختصة في شؤون النازحين والمهجرين سواء في وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة الحكم المحلي ووزارة الخارجية لتسلط بقعة ضوء على ما يعانيه أبناء المهجرين خارج ليبيا أثناء هجرتهم وحال عودتهم .

فعلى الجميع في مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية والأهلية أن يعيروا هذا الأمر اهتماماً بليغاً ويضعوا الخطط والاستراتيجيات لمواجهة الواقع الحالي وتجنب مستقبل غامض .

التدوينة مهجرون وقريباً عائدون ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “مهجرون وقريباً عائدون”

إرسال تعليق