طرابلس اليوم

الأربعاء، 30 أغسطس 2017

استقالة أبوشاقور والنفاذ للمتلاطمات

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

لم يكن مصطفى أبوشاقور طارئًا على المشهد السياسي بعد ثورة فبراير، فقد شغل منصب نائب رئيس حكومة عبد الرحيم الكيب، التي انتخبها المجلس الوطني الانتقالي، وبانتخاب المؤتمر الوطني العام، أضحت حكومة تصريف أعمال، وأصبح المؤتمر الوطني يتجه لتكليف حكومة جديدة، خلفًا للحكومة المنصرفة، تقدم مصطفى، أبوشاقور وعرض نفسه لرئاسة الوزارة، وقام بالالتقاء بالعديد من أعضاء المؤتمر بفندق المهاري، اتفقت رؤيته مع  بعضهم، وتحفظ عليها البعض منهم، ورفضها آخرون لغايات لا تصب بكفة مصلحة الوطن

انخرط أبوشاقور بالمعارضة الليبة بالخارج، زمن حكم القذافي، ولديه سيرة علمية محل تقدير وإشادة، ولعل الظروف تكون رمت به في أتون صراع سياسي شرس، أقطابه معلومة، ومرامه مجهولة، لكنه ارتضى النزال، وقبل المخاطرة، حقيقية كانت الأجواء السياسية في ذلك الوقت تجعل مهندس السياسة الأمريكية ” هنري كيسنجر” يعيد قرار القبول بهكذا خيار.

كنت بوسط الزحام السياسي في ذلك الوقت — كوني عضوًا بالمؤتمر الوطني العام عن مدينة درنة — أراقب الحدث، وامتزج به، وبالتالي يمكنني أن أنقل مجريات الحدث، من باب “ليس من رأى كمن سمع” وهي أيام كان الصراع فيها يحبو بسرعة المهرولين، فقد فتحت القنوات الإعلامية نيرانها على المؤتمر الوطني، وعلى ثورة فبراير،  تارة تلميحًا، وأخرى تصريحًا، ولفظ الخصام السياسي أنفاسه، بعد أن نخرت الصفاقة شرفه.

اعتمد أبوشاقور على فريق عمل اختصاصي، أو أنه على دراية بقراءة المشهد بتعبير أدق، وحاول معهم تقديم تشكيلة تلقى القبول من أعضاء مؤتمر وطني مازال قيد النضج، وتتصارع فيه توجهات سياسية طافية على سطح المشهد، وأخرى تغلي بمطابخ خارج قاعة المؤتمر، بل وخارج الوطن، أذكر أننا التقيناه نحن ( مجموعة 19 يجمعنا مشتركًا جغرافيا واحدًا وبعض التقارب المفترض)  والمضحك أننا اختلفنا أمامه داخل قاعة الفندق، ونحن العصبة الأقربين، فكيف ببقية الشتات غير المتوافقين معنا، ولا معه، كان رئيس الحكومة المنافس يتقاذفه بحر لجيّ،  وأى بحر، ورغم ذلك اعتلى منصة المؤتمر الوطني، وقدم مشروعه أمامهم، في جلسة مكتملة، استمعوا له، فكان في انتظار صندوق الانتخاب، في منافسة شرسة وحادة، مع زعيم تحالف القوى الوطنية، محمود جبريل، النجم اللامع، الذي أسر الناخبين إبان انتخابات المؤتمر الوطني، فقط لأن صورته اعتلت الملصق الدعائي لتحالف القوى الوطنية، نفذ أبوشاقور من قبضة جبريل بفارق صوتين، وحقيقة الأمر أن التقارب الإسلامي بالقاعة، صب بكفة أبوشاقور والبعض له كارهون .

وقدم تشكيلته الحكومية من 26 حقيبة وزارية، منها أربع حقائب من حكومة سلفه، عبد الرحيم الكيب، حاول فيها الرئيس أن يمسح جغرافية ليبيا حقائبيًا،  لاحتواء الواقع المعاش، اختار لها عمر أحمد الناكوع، نائبًا أول، والحرمين محمد الحرمين، نائبًا ثانيًا، وسعد عقيلة العبيدي، نائبًا ثالثًا، رشحت لنا أنباء عن تفاجئ فريق الخبرة بتجاهلهم من قبل الرئيس والاعراض عن مشورتهم بالتكليفات، هناك من يعزو ذلك للعدد الكبير الذي خاض المنافسة ومن بينهم كان المرشح للجولة الثانية مع محمود جبريل، وهم :  وزير الكهرباء السابق عوض البرعصى، ووكيل وزارة التعليم العالي فتحي العكاري، ومحمد بالروين، ومحمد المفتي، وأستاذ العلوم السياسة عبد الحميد النعمي.

عرض حكومته علي المؤتمر الوطني العام، وفي تلك الجلسة كانت الأعناق الجغرافية تتطلع لنيل حقائبها، صحيح أن هناك من كان ممتزجًا بجغرافية ليبيا ويتمنى لها مرحلتي الاسقرار والبناء، لكن هناك من قدم نفسه على ما سواها، استرسل في عرض حقائبه الوزارية، ومع كل حقيبة كنت ألمح اليأس من تحت ناظرتي الرئيس، كانت تلاوته لأسماء الوزاراء أشبه بالدقائق الأخيرة من مباراة لكرة قدم، بادر أحد أعضاء المؤتمر بالمغادرة، وهو سفير الأن بدولة الكويت، وهو يقول هذه الحكومة لا تصلح حتى لل ..  وخرج، وتبعه آخرون، لا أخفيكم القول — ونحن نكتب سيرة من مرحلة المرتمر الوطني ومن تاريخ تلك المرحلة — أن الرفض كان لفقدان الحُمص من المُولد، رغم بعض الملاحظات على خياراته، ثمة ما يجدر الإشارة إليه، ففي تلك الجلسة مُنحت الاقتحامات شرعيتها، فقد ندد المقتحمون بخلو الحكومة من أي وزير من مدينة العنقاء، وتكليف وزير كان يقمع ثوار فبراير، حسب قولهم.

أعاد الكرة وفقاً للإعلان الدستوري، وقدم حكومة مصغرة من عشرة وزراء، كحكومة أزمة، ولم تنل الثقة، فغادر القاعة، لكنه قبل أن يعرض حكومته، ألقى خطابًا اتضحت من مقدمته أنه يعلم بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا وفاق بينه وبين المؤتمر الوطني، وكال من خلاله بعض التهم لأعضاء المؤتمر الوطني الذين رفضوا تشكيلتيه الوزاريتين وأنهم كانوا يتواصلون معه ويسعون لنيل حقائب وزارية حزبية ومناطقية وقبلية، وحقيقةً أنه كان مصيبًا في هذا لدرجة كبيرة، ويبقى السؤال المطروح الآن، هل سيخوض أبوشاقور تجربة ثانية، مع سابق علمه بمخاطر بحره الجديد، أم أنها ستكون عودٌ على بدء.

التدوينة استقالة أبوشاقور والنفاذ للمتلاطمات ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “استقالة أبوشاقور والنفاذ للمتلاطمات”

إرسال تعليق