طرابلس اليوم

الجمعة، 25 أغسطس 2017

نريد الحياة … أوقفوا الحرب الأهلية

,

عبد القادر الأجطل/ صحفي وكاتب ليبي

الحرب الأهلية … سواء تبنينا التفسير الاقتصادي لاندلاعها، أو التفسير السياسي الذي يُرجع أسبابها إلى انهيار السلطة المركزية، أو اخترنا التفسير القيمي الذي يرى القائلون به أن الانحراف عن القيم والمبادئ هو المسبب الرئيس للحرب الأهلية، فإنها مظهر من مظاهر الانفلات المرعب الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه ولا توقع عدد ضحاياه الذين سيسقطون حتى تضع الحرب أوزارها.

الحرب الكريهة

أسوء عمل تقوم به إذا كنت ممن عاصروا هذه الحرب المستعرة؛ هو المشاركة في القتال أو تبرير الحرب والبحث عن مسوغات لاستمرارها.

تفسيرات الحرب الأهلية لا تصلح لتبريرها، فهي ليست حربا مقدسة بمعيار القيم، ولا حربا لاسترجاع الدولة بمعيار السياسة، ولا حربا لإحداث التوازن بمعيار الاقتصاد، ولو اشتملت على شيء من ذلك في بعض الفترات القصيرة جدا من تاريخها، الذي يمتد إلى السنوات ذات العدد.

نعم قد تتخلل الحرب الأهلية معارك لها شرعية دينية، ولكنها ليست سوى معارك محدودة لأوقات قصيرة جدا يريد البعض صبغ الحرب الأهلية الطويلة بصبغتها، وهيهات هيهات أن تستجيب له النصوص أو تسعفه الوقائع.

وقد تضعف السلطة المركزية، وتظهر في الأطراف مظاهر منازعة لها، فتخاض معارك مع المتمردين على سلطان الدولة، ولكن ذلك ليس مبررا لإحراق الأخضر واليابس وإلحاق المعارض صاحب المنطق السلمي والمحاججة السياسية، بالمنازع بالسلاح الذي يروم التفتيت ويسعى إلى سفك الدماء في حرب لا تبقي ولا تذر.

وقد يؤدي التفاوت الاقتصادي، وتركز المال وتداوله بين الأغنياء، إلى تفجر غضب يتحول إلى نزاع مسلح، غير أن المعالجة المجدية لها أدوات مختلفة على المدى البعيد والمتوسط، وهو ما يمنع العقلاء من مواصلة الحرب، وإن لبست بداياتها لبوس المطالبة بالمساواة في توزيع الموارد على الأقاليم، أوالعدالة الاجتماعية.

مشروعية منقوصة

إن تبرير معاركنا المحدودة، لا يصمد أمام تزايد ضريبة الحرب المتطاولة،

التي تقتل القريب بعد إفناء الغريب، وتطال الأبرياء بكل المعايير، بعد الانتهاء ممن تحوم حولهم الشبهات، بحسب تأويل من أوقد حربًا بمبررات عقلانية، -فيما يزعم- تَجَند لها المقاتلون، وبُذلت في سبيلها المهج.

ليس أمامنا من خيار، غير إعادة النظر في أسباب تخندقنا في ميادين القتال، نقتنص أرواح المناوئين، ونزيد في أعداد ضحاياهم، ونتحمل في سبيل ذلك عددا أكبر من التضحيات.

لم يعد من المقبول بكل المعايير، أن نفرض الحصار على مدن آهلة بالسكان، ونمنع عنهم الغذاء والدواء، ونقطع عنهم الماء والكهرباء، فقط لأنهم مختلفون عنا في بعض وسائلنا لبلوغ أهدافنا، أو لأنهم يريدون قدرا أكبر من الحرية في اختيار من يدير شؤونهم المحلية أو الوطنية، أو أنهم يرفضون الانصياع لما يرونه ظلما وانتقاصا لحقوقهم، أو حتى لو أن أهل مدينة تواطؤا فيما بينهم دون إكراه على شكل من أشكال الإدارة المحلية، لا يضر من حولهم، فليس لأحد أن يحملهم على ما يكرهون بقوة السلاح وسلاح الحصار والتجويع.

“هناك ألف سبيل وسبيل يوصلنا إلى تحقيق غاياتنا النبيلة دون سفك دماء المخالفين”

نبل الغايات لا يبرر الوسائل

بناء جيش موحد محترف، وتقوية جهاز شرطة يحفظ الأمن ويخدم الشعب وينفذ القانون، وتوحيد الدولة، ودسترة حكم الشريعة، والعدالة في توزيع عوائد النفط، ورفض التهميش الجهوي، والعودة لدستور الاستقلال المعدل أو حتى غير المعدل أو كتابة دستور جديد يستلهم قيم دستور الاستقلال وينسج على منواله ويراعي مستجدات العصر ومتطلبات الأجيال، والمطالبة بالحقوق الثقافية للأقليات الإثنية، والحق في التنمية المكانية، ورفع الظلم وإنصاف المظلومين في المراحل المختلفة، وإقرار حقوق المواطنة، ورفع مستوى المعيشة، وتطوير التعليم والصحة والبنية التحتية، إلى غير ذلك من المطالب المشروعة التي تعالج الأوضاع المعوجة التي ورثنا بعضها وأبدعنا البعض الآخر منها؛ لا مفر لنا من العمل على تحقيقها معا وليس فرضها على بعضنا بحد السنان.

“لم يعد في القوس منزع وأوشكت سهام الكِنانة أن تنفد”

معركتنا الوحيدة

ليس هناك معركة من الممكن أن نخوضها اليوم، إلا معركة واحدة ضد العدو الذي اختار عداوتنا، وأراد أن يستأصل شأفتنا، ويبيد خضراءنا، ويقيم دولته على أنقاض دولتنا، ويبني مجده على جبال من جماجمنا، إنها معركتنا ضد تنظيم الدولة، أو داعش كما اصطلح على تسميته،

وسننتصر فيها عندما نخوضها موحدين، فإنه يقتات على تفرقنا، ويتمدد في الفراغات الناشئة عن تباعدنا عن بعضنا.

هي معركة واحدة محددة العدو ومحددة الهدف، ومن أجل النجاح فيها، لا مناص من التوقف عن وسم بعضنا بالإرهاب، ونعت مخالفينا بأوصافه، طلبا للدعم الخارجي، أو التحالفات المحلية، فخلافاتنا التي ذكرنا بعض أسبابها من الممكن تسويتها بعيدا عن ميادين القتال، وأحلام البعض في حكم ليبيا، تصبح مشروعة فقط، إذا اختار لها طريقا واحدا؛ وهو طريق الصناديق الزجاجية … طريق علينا أن نتضامن لضمان حمايته، وتأمين نتائجه، والوقوف مع من تفرزه الصناديق، لنضع نهاية للحروب الأهلية في بلادنا.

 

 

 

 

 

 

 

التدوينة نريد الحياة … أوقفوا الحرب الأهلية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “نريد الحياة … أوقفوا الحرب الأهلية”

إرسال تعليق