طرابلس اليوم

الأحد، 27 أغسطس 2017

نظرة في خلاف مفتي ليبيا وحزب العدالة والبناء

,
السنوسي بسيكري/ عربي 21
ليس من اليسير تعقب التيار الإسلامي وتناول مساره السياسي بموضوعية ويرجع بعض ذلك إلى الصعوبة التي تكتنف فهم منطلقاته والوقوف المعمق على مقاربة دمجه بين الدين والسياسة باعتبار أنهما في عقيدته لا ينفصمان حتى بعد أن تطور فكره وصار يلتزم بمبدأ التخصص في الممارسة من خلال الفصل بين الدعوي والسياسي.

وتصدر سياسيون محترفون للعمل السياسي أو الدفع بمن تظهر فيهم ملامح الأهلية فيتفرغون لذلك ويلتزمون بقواعد العمل السياسي. ولفظة قواعد هنا تحتاج إلى تسليط الضوء وهو ما يتعذر في هذه السانحة القصيرة، حيث أن هناك من يعتقد أن العمل السياسي لا قواعد له ومن بين هؤلاء إسلاميون وإن كانوا أقلية.

الخلاف بين المفتي وحزب العدالة والبناء لم يكن وليد السنتين الماضيتين ولا يمكن فهمه أو تأطيره من خلال تتبع تطورات المشهد الليبي بعد الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في ديسمبر 2015، ففي اعتقادي أن أسس التقعيد والتأصيل الشرعي للعمل السياسي مختلفة وهذه الأسس لا علاقة لها بالزمن القريب فكلا الطرفان ينسب نفسه لنفس المرجعية، والمقصود هنا المرجعية الإسلامية وتحكيم الشريعة.

ولكني أجزم أن هناك تباينا في فهم النصوص الدينية وتباينا في كيفية أسقاطها في العمل السياسي، خاصة شق المصلحة الشرعية وفقه الموازنات والمصالح والمفاسد، والذي يفتح الباب على مصرعيه لخلافات هي اليوم في صلب التراشق بين المفتي وحزب العدالة والبناء وإن لم تطف بجلاء إلى السطح.

لكني أعول على سبب آخر لفهم دواعي الخلاف وأسباب الاختلاف وهو ما يكمن أن نسميه العامل المنهجي، فالحزب يعتبر أن المفتي ودار الإفتاء يخلطان كثيرا في مسؤولياتها وصلاحياتها، وهو ما نرجعه إلى فكرة التخصص التي يحاول الحزب أن يلتزم بها ويدعو إليها، فيما يعتبر المفتي وأنصاره أن العقيدة والمبادئ ذات المستند الشرعي تلغي فكرة التخصص أو تحد من أثرها وتفتح الباب لكل مسلم غيور للذود عن دينه وبلده باعتبار أن الدين جزء من الصراع القائم اليوم.

وتعقيبي على مسألة التخصص هو أنها منطقية وجوهرية جدا في حال الاستقرار خاصة مع بداية مقاربة الانتقال من الثورة للدولة عام 2012، وأعتقد أن المفتي ودار الإفتاء لم يفلحا في الدفع الايجابي باتجاه الاستقرار من خلال تجاوز العقبات التي لاحت في الأفق إبان انتخابات المؤتمر الوطني العام ومنها تقسيم المجموع العام إلى تيار إسلامي وآخر علماني، لكن في مراحل التأزيم التي يتحمل مسؤوليتها التياران بنسب متفاوتة، سيكون من المتعذر إبعاد المفتي ودار الافتاء عن النزاع، خاصة وأن الاستقطاب والتمترس صارا حادين وانحاز جزء من الإسلاميين للمعسكر الآخر بل قاتلوا تحت راية الجيش التابع للبرلمان في كتيبة مستقلة تتسمى بكتيبة التوحيد.

ويحضرني رد ديبورا جونز، السفيرة السابقة للولايات المتحدة لليبيا، على احتجاج البعض على لقائها بالمفتي بقولها أنه طرف أساسي في النزاع لا يمكن تجاهله.

المنطلقات المختلفة وما صاحبها من تصريحات وممارسات متناقضة قادت إلى أزمة ثقة بين المفتي وأنصاره وحزب العدالة والبناء بحيث أصبحت من ضمن أهم أسباب التوتير وكانت حاضرة بقوة وقادت إلى تفجر الوضع بينهما مؤخرا. فهناك اعتقاد بأن الحزب يتورط في ما يطلق عليه البعض براغماتية الإخوان وعدم ثباتهم على موقف وأن هدفهم هو السلطة أو البقاء في دائرة الضوء وضمن أي معادلة سياسية جديدة دون مراعاة للمصلحة العامة.

فالحزب كان شريكهم في عملية فجر ليبيا وما بعدها من ترتيبات سياسية أرجعت المؤتمر الوطني العام كمظلة تشريعية جامعة ثم نقض الحزب هذا الحلف وانحاز، في نظر الطرف الآخر، للخصوم، فيما يعتبر الحزب أن هناك تحاملا عليه له أسبابه المتعلقة بعلاقته بجماعة الإخوان وأيضا الحكم المتعسف على اجتهاداته السياسية المعتبرة شرعا وفق فهمه للدين، وأن هناك قصورا في رؤية المفتي وأنصاره بل تشدد غير محمود، وعندما تفقد الثقة يصبح الباب مفتوحا لمراكمة دوافع الخلاف التي أشرنا إلى بعضها والتي لا يمكن حصرها في هذه المساحة المحدودة.

وأربط ما سبق ذكره بإدارة العدالة والبناء للأزمة ومقاربته للعملية السياسية ما بعد الانقسام السياسي ومشاركته في الوفاق الذي بدأ قاصرا وضعيفا خاصة مسألة استقالة الدكتور صالح مخزوم من وفد التفاوض ثم توقيعه على الاتفاق السياسي، وتصريحه بأن الوفاق يخرج الخصم الرئيسي خليفة حفتر من المشهد وهو ما اعتبره الآخرون تدليسا، ففي نظرهم أن الحزب شارك في مؤامرة إجهاض الثورة، فحفتر صار أكبر الفاعلين وهناك اتجاه لشرعنة وجوده من خلال التعديل على الاتفاق السياسي، والحزب لم يقدم تفسيرا مقبولا لذلك، لذا أسهم موقفه من الوفاق في تعزيز أزمة الثقة واستدعاء كافة أسباب الاختلاف والخلاف الفكرية حتى وصل حال إلى لما سمعنا وقرأنا خلال الأسبوع الماضي.

التدوينة نظرة في خلاف مفتي ليبيا وحزب العدالة والبناء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “نظرة في خلاف مفتي ليبيا وحزب العدالة والبناء”

إرسال تعليق