طرابلس اليوم

الجمعة، 25 أغسطس 2017

العصا.. و.. العدل

,

عطية الأوجلي/ كاتب ليبي

كثيرا ما أسمع القول ” نحنا ما يجيش معانا إلا العصا” ، ورغم أنني أتفهم أن الفوضى التي نراها لم تعد تُحتمل وأن التسيب الأمني يدفع بالناس إلى التوق للأمان حتى لو كان عن طريق مستبد. إلا أن هذا القول يحمل مغالطات منطقية ويجافي الحقائق التاريخية.

أولاً… هذا القول هو اعتراف من قائليه بأنهم مثل النعاج لا يدركون مصلحتهم ولا يبالون بمسألة التفكير أو الإرادة الحرة أو اتخاذ القرار .. بل همهم هو العيش بأمان ولو كان ذلك على حساب أدميتهم وإنسانيتهم. وهذا لن يجلب سوى وهم الأمان لديهم .. فالنعاج مصيرها الذبح والالتهام.

ثانيا… هناك خلط بين مفهوم العدل والصرامة في تطبيق القانون وهو ما يجب أن نسعى إليه وبين مجرد وجود قوة كاسرة مهيمنة ترغم الناس على الامتثال لأوامرها لا لشرعية اكتسبتها وإنما لأنها تحمل العصا. ماذا لوكان الذي يحمل العصا مجرم أو قاطع طريق أو دجال محترف ..؟؟

ثالثاً .. إن منطقتنا لم تعرف في معظم تاريخها سوى الحكم بالعصا. وانظروا النتائج وقارنوا بيننا وبين شعوب الأرض التي سعت إلى ترسيخ مفهوم العدالة والمطالبة بتنفيذه بصرامة شديدة، وكيف انتقلت هذه الشعوب إلى مستويات متطورة من العلم و العمل… وكيف نحن لازلنا نتغنى في محاسن العصا .. !!.

رابعاً.. الأمن لن يتحقق إلا بالعدل وحكم القانون والصرامة في تطبيقه والعدل لن يتحقق إلا إذا كان للجميع. لن نستطيع أن نحارب الفوضى إلا بالنظام .. والتسيب إلا بالقانون … ولن نفلح إلا إذا غلبنا المطالبة بالعدلة على الثأر والانتقام فالنار لا تطفئ النار.

خامساً…..هناك من يربط بين العصا و العرب أو البداوة .. وهذا قول مردود عليه .. فالتخلف والديكتاتورية والعنف لا علاقة له بالأصل أو نمط العيش. فالمسألة ليست في الأصل أو العرق ولكنها في نمط التفكير الذي غالبا ما يحدد استعمالات العصا… فعندما ساد التفكير الاستعماري وفرض الأمور بالقوة بأوروبا نشبت حربين عالميتين كلفت شعوب الأرض الملايين من الأرواح .. وعندما تغير نمط التفكير ساد السلام ربوع أوروبا وفي كلتا الحالتين كان يسكنها نفس الشعوب.

سادساً….ما نحتاج إليه هو التنمية الشاملة التي تستهدف بناء الإنسان عبر التعليم والتدريب وتطوير وإصلاح النظم الإدارية والخدمية وتعزيز مشاركة الناس في الحكم والرقابة وتنطلق من مجموعة من القيم الإنسانية المتفق عليها.

أخيراً…. الأمن ليس عصا … وإنما نظم وقوانين ودستور وحقوق وشفافية ومحاماة ورقابة وتظلم وأجهزة أمنية قادرة ومشاريع تنموية ومحاربة للفساد… ففي غياب الدستور والشفافية و الرقابة والوعي .. لن تفلح الأجهزة الأمنية لوحدها و سيعتريها الفساد مثلما حدث في العديد من بلدان العالم التي اشتهرت بنظمها الأمنية الصارمة … ثم تلاشت هي ونظم أمنها….. لنتذكر أن الشعوب لم تتطور بسبب العصا … وإنما بفضل العقل الذي يقود العصا.

التدوينة العصا.. و.. العدل ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “العصا.. و.. العدل”

إرسال تعليق