طرابلس اليوم

الأربعاء، 28 مارس 2018

شـــروق (1)

,

عبد الرحمن المنتصر/ كاتب ليبي

إنها ابنة السبعة عشر ربيعا، تمشي على قارعة الرصيف لبيت جيرانها ، منتصفة الطول محمرة الخدين من أثر الحشمة البادية عليها ،هادئة إلى حد أنك تعتقد أنها لا تسمع،  لم يعرف كثير من جيرانها لون عيونها ؛ لأنها كانت بالكاد ترفع رأسها لتسرق نظرة على الرصيف كي لا تضع قدميها بالوحل ؛لكن ومن المثير جدا أنها رغم تلك الهداوة في روحها غير أنها حدقت بحزم وحدة في وجه زميلتها عندما قالت لها يوما ” أنت متكبرة ” كان استفزازا كافيا لتحدق بها بضع ثوانٍ بصمت ، ثم لا تقول شيئا .

كان اسمها أمل وتحب أن ينادها الجميع بشروق ، ربما تيمُّناً بالبدايات السعيدة غالباً  ولكن في تقديري صمتها يمثل كل الغموض ، كلماتها على غير عادة النساء تعد على أطراف الأصابع ، فبالكاد كانت تطلب من أمها أن تطبخ لها ” رشدة الغذاء ” أو حتى ” بيضة مسلوقة “في كل صباح دافئ وجميل ، كانت تملك أباً رحيما ، جميلا وهادئاً بمثابة كل شيء وأكثر، كانت تنعم بدلال عميق ومحبة واسعة ورحابة صدر وفضل وتقديم كان والدها حكيما ومن نسب شريف وصاحب طبع محمود وعفيف.

أمل كانت أكثر نشاطا وهي بذلك العمر، زهرة متقدة في تدبير المنزل، بارعة في العلوم التطبيقية تجيد الحياكة ومولعة بصناعة الأشكال اليدوية التي هي مساحة بوح وإكمال لنواقص روحية وإنسانية محضة .

ولاعتبار أن أمل كانت مدللة ومن سكان المدينة  كان لابد لها أن تعيش حياة مدنية أكثر رقة وأنعم أصلا من حياة أترابها في مدن البداوة المحيطة بطرابلس

عندما قررت أن أقص عليكم قصة شروق هذه أو قولوا أمل،  كان لا بد أن أقول لكم أن عيونها بعد سبق ترصد ومكر وتركيز عرفت أنها تملك عيونا زرقاء واسعة تزيد من شدة غرابة شخصها  وأثارت تفكيري قصتها فهممت بتتبعها على أطراف أصابعي في هدوء وصمت كانت كريمة إلى حد التبذير وطيبة وذكية ومرهفة إلى حد كبير .

تلك مرة بعيدة زمنا عندما رأيتها عائدة من بيت جارتهم المختلفة إذ هي من بيت رجل أعمال فريد ومميز جميل ذو مكانة عالية ، كان يملك قصراً ليس لأحد مثلُه كان له حارس و مدبرة منزل ومربية لأولاده

وقعت عين التاجر_ أحمد _ صدفة  على _أمل _ وهي زائرة لزوجته فهام التاجر في دفاتر ذاكرته وقلب صفحات شبابه وبحث بعمق عن سبب واحد يجعل من أمل ملهمة روحية لتاجر بلغ من الكبر مبلغا بعيدا

ومنذ لحظة وصولها اهتم لوجودها على غير عادته وسحب الكرسي من خلف المنضدة وطلب إليها الجلوس ففعلت ، وربما سألها  عنها من تكون ؟  لكن ذاكرتي لا تسعفني إلى كيف كان الحوار؟  لعلَّهُ من فرط الارتباك الذي ملأ المكان بين تاجر تحركه دفاتر الذكريات ، بفتاة يقتلها الحياء من وجود رجل غريب له أدبيات مخصوصة ، إلا انه لم يكن شيئا أكثر من كونه إرباك على المستوى الروحي الذي  لم يبق كثيراً حيث همت بالخروج ولم تحتس أمل  قهوة ولا شاياً ولم تأخذ أي شيء هكذا كانت أمها تعلمها  دروس الحياة وتختم هكذا علمتني الحياة .

ربما بقي التاجر واقفا على أحد شرف قصره يتبع خطوات أمل وهي تنقله وراءً في الزمن البعيد عن ماذا كان يبحث العم أحمد وهو ينظر إليها ؟ وبماذا كان يفكر تحديدا؟

وصلت أمل غاضبة إلى البيت وقالت لأمها لن أذهب مرة أخرى لبيت العم أحمد و لم تفصح عن ما حصل هناك لكنها اكتفت بقولها لن  اذهب إليهم ثانية و لم تبح بشيء

كانت أكثر براءة من جيل جريء في هذه الأيام ، لم تكن قادرة حتى على مقابلة عمها التاجر مرة أخرى

مرة الأيام عجلي وبعد عودتها من السفر فكر التاجر أحمد أن يخطب لأحد أبنائه….

يتبع في شروق (2)  …

 

 

التدوينة شـــروق (1) ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “شـــروق (1)”

إرسال تعليق