طرابلس اليوم

الثلاثاء، 27 مارس 2018

ليبيا وتشتيت المبعثر

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

يستغرب البعض منا إطالة أمد أزمتنا السياسية التي أعقبت ثورة السابع عشر من فبراير، والأكثر استغرابًا هو منحناها التصاعدي، فقد وولدت بصرخة، واليوم أضحت تهرول على مضمار بلا أفق، كانت أزمتنا ومازالت أشبه بكرة ثلج، وببقعة الزيت على بحيرة ساكنة، تتمدد يومًا بعد يوم، وتنتفخ مع مجريات الأحدات .

أسباب كثيرة أدت لذلك، أولها أن ليبيا كانت تفتقد للطابع المؤسسي، وقد عمدت السلطة على ذلك، وثانيها أن ثورة فبراير جاءت بدون قيادة وبدون أهداف محددة، سوى إزاحة العقيد القذافي عن السلطة، كان هذا محل إجماع من خرج عن تلك السلطة، واكتوى بسعيرها، جاء الحدث مزلزلًا، وساعدت الأوضاع المحيطة بتأجيجه، بالغرب قدح البوعزيزي شرارة الربيع بتونس الخضراء، وبالشرق خرج المصريون على نظام مبارك، جاءت الثورتان في زمن “الفيس بوك” وفي وقتٍ سيطرت فيه وسائل الإعلام على المشهد، فصنعته بل وشكلته، وكان لها اليد الطولى بمجرياته.

لم تغب عنه المطامح الدولية، ولا تضارب المصالح الأممية، كان صراعًا قذرًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وتجرد العالم حتى من ورقة التوت التي تحجب سوأته السياسية، وقعنا بذلك بين شقي الرحى، بين دناءة هؤلاء المسيطرون على القرار بالمنظومة الدولية، وبين ظلم وجور حكام شعوبنا، فقد سهلوا للعالم عملية تنفيذ مخططاته وألاعيبه، ذلك العالم الذي يرفع لواء الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان، فمن خلال أساليب أولئك الحكام كان لهم ما يريدون.

هذا على المستوى العام، أما عن بلادنا فثمة خصوصية وبقية المشتركات مع كل دول ثورات الربيع العربي، وإن قُلبت لخريف أو صيفٍ ملتهب، جاءت النتائج كما يريدون هم لا كما نريد نحن، لعدة إعتبارات لا يتسع المجال لذكرها .

في لييبيا كانت قبضة النظام تتخطى الحديدية من حيث وصفها المعدني، وكانت سلطة القذافي تتربع على جغرافية ليبيا دون عناء ولا مخاوف لأربعة عقود ونيف، حتى محاولات الرفض والتمرد يتم وأدها، وأخرى مُحقت وهى بصدور أصحابها، جال رأس الهرم وصال، كان بدون سلطة، لكنه مفتاح السلطات، القائد والمنظر والمنفذ والمنتقد والمصحح، عاش الليبيون في ظل سلطة قمعية مستبدة، ولم يكن بوسع إحدٍ أن ينتقدها إلا ببيتها وعرينها، فلا مجال إلا بالمؤتمرات الشعبية، الدار التي تحرسها عين السلطة ويدها، كان سقف النقد محددًا، والكل يخشى تجاوزه.

طبيعة مجتمعنا القبلية ساهمت في تأطير تلك الأثقال، السلطة عملت على ” أسمنتنت” ذلك الوضع المجتمعى الهش، وبرزت التكتلات القبلية، والشرائحية، والجهوية، وشجعت السلطة على ذلك، فهو حبلها المتين، ووقودها ومحركها، علت لافتات بعض المباني، رابطة شباب قبيلة سين، وتجمع قبائل صاد، وأضحت الملتقيات تلقى رضى السلطات، وتتمتع برعايتها وحمايتها، وكانت الأخيرة تعمل تسخير جُل هذا الحراك لصالحها، من خلال ضربه ببعضه، والنفخ بماضٍ تجاوزه الليبيون بفعل دعوة الملك أدريس السنوسي، لم تكن سلطة سبتمر هينة، فقد أكلت الكتف بعد أن عرفتها وتعرفت عليها، فقربت من أريكتها الوقادين النافخين بكير التفتيت والبعثرة، فاعتمدت على كل من لم يصمد أمام ” الدبل كابينا” وأمام رزمة من ورقات عمر المختار، فتسابق الضعفاء الي حيث خزانة الوالي وفنادقه الفخمة، دون عيب ولا حياء.

عمل هؤلاء على تفتيت المجتمع الليبي، حتى صارت صورته أكثر رضًي مم كان يتمناه الحاكم، ضاعت وحدت الوطن، لا أعني وحدته الجغرافية، وإنما وحدة الأهداف، ووحدة بناء دولة مدنية حديثة، وانتقلت هذه الأورام لتطلعات الفبراريين، وأصطدمت بها أحلام الصادقين ببناء ليبيا الجديدة، كانت الدعوة للقبلية والجهوية يشوبها شئ من المعرة فيم لو تخطت أهدافها المجتمعية، وتجاوزت الآية القرآتية الكريمة ( يآيها الذين أمنوا إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )

اليوم يتبناها البعض بم يخالف هذه الآية، ولا يتحرّج منها بعض حملة الدكتوراة وأصحاب الصفات والألقاب، ففصل البعض بين عقليته الملوثة وبين ما يحمله من أنواطٍ علمية وثقافية ومعرفية، ليجعلوا من القبيلة عائقًا أمام بناء الدولة،  رغم أنها بالماضي كانت عاملًا في تأسيس الدولة الليبية وولادتها، لا فرق بين ذلك الأمس وهذا اليوم إلا بصنف ونوعية الرجال.

ومن خلال أوضاعنا هذه وجد الطامعون الأرضية   مهيأةً أمامهم فحققوا مآربهم بكل سهولة ويسر، وقطْعوا أوصال البلاد، ونهبوا خيراتها، لم يكن الطامعين من غير بني جلدتنا فحسب بل كانت جلدتنا أكثر قساوة على الوطن من الجوار والعجم .

التدوينة ليبيا وتشتيت المبعثر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ليبيا وتشتيت المبعثر”

إرسال تعليق