طرابلس اليوم

الثلاثاء، 27 مارس 2018

النجاح محليًا طريقك نحو النجاح الأكبر

,

عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي

عندما تتهادى بسيارتك على طريق ممهد، مخطط بخطوط صفراء تحدد أماكن وقوف السيارات، وأخرى تحدد الأماكن التي يمنع فيها الوقوف لوقت طويل.

ومنتصف الطريق، مخطط بخطوط توضح للسائقين متى يمكنهم الإسراع والاجتياز ومتى يحظر عليهم ذلك، ويقسم الطريق من منتصفه رصيف صغير مشجر ومعشب،   يتوسط ذلك الطريق رصيفين يوازيانه عن اليمين وعن الشمال، وكل رصيف منهما يتوسطه طريق أصفر بارز أعد لسير المكفوفين.

وقريب من منتصف الليل، ينتشر في الأنحاء رجال يرتدون ثيابا تلمع عندما تقع عليها أضواء السيارات، يجمعون النفايات ويلقون بها في سيارات القمامة التي تتبعهم، من أجل نقلها في نهاية المطاف إلى مجمعات تدوير القمامة.

وتتكرر هذه العملية أكثر من مرة على مدار اليوم والليلة، إضافة إلى مرور سيارة التنظيف الآلي التي تنظف الشوارع الرئيسية دوريا، كما أن عملية تنظيف أخرى بخراطيم المياه المدفوعة بقوة تكون لازمة في أوقات خاصة، مثل أن تجتمع في الطريق بعض النفايات، أو يكون هناك محفل أو سوق موسمي في المكان خلف قاذورات شوهت المنظر العام.

أوقد يكون ذلك التنظيف الإضافي لاقتراب عيد من الأعياد أو مناسبة من المناسبات، فتضخ المياه بقوة لتنظيف المكان، ويتبعها العمال ليتمموا مهمة التنظيف بجمع المخلفات التي لم تزل بدفع المياه.

أثناء سيرك على الأقدام في الشوارع والأزقة، ترى هنا وهناك  بعض المرافق العمومية التي تقدم الخدمة بأجرة رمزية وربما بدونها، فالهواتف والحمامات العمومية تنتشر لتسهيل حياة الناس، والحدائق العامة وأماكن الترفيه العائلي توفر فرصا للعب الأطفال وتنزه الكبار.

ولن تخطئ عينك أثناء تنزهك في الأحياء المجاورة لمحل إقامتك، النسق المتقارب للمباني والمحلات، والتوزيع الذي لا يخلو من نظرة كلية لأنواع المتاجر والأسواق والصيدليات، كل ذلك إذا ما نظرت إليه في سياق أكبر سيبدو أنه خاضع لتخطيط وتنسيق، حتى تظهر المدينة في نهاية المطاف بشكل متناسق جميل، فهنا أحياء سكنية متعددة الأدوار، وهناك أحياء أخرى من دورين فقط، وهذه مناطق خضراء، وتلك مواقف سيارات، وإلى جوارها مراكز تسوق ومستشفى مركزي، وعلى مقربة منها محطة قطار سريع يصل بك إلى كل أحياء المدينة.

الجامعة تنتصب في مكان مناسب، فهي قريبة من وسائل المواصلات العامة، وبعيدة عن زحام وسط المدينة، وإلى جوارها المطاعم والقرطاسيات والمكتبات.

وفوق كل ذلك فإن مجرد إقامتك لعدة أشهر في هذه المدينة، يريك ما تتمتع به من تنظيم لإمددات المياه والكهرباء والغاز الطبيعي، التي تصل إلى بيتك دونما مشقة.

كل ما ذكرناه وغيره كثير هو من صلب مهام البلديات، التي مهما سميت محافظات أو شعبيات أو غير ذلك، فإن نجاحها في وظيفتها يسعد المواطن ويسهل له سبل العيش، كما أن انصرافها عن مهمتها للمزاحمة على أدوار أخرى، يُضيق على الناس ويحرمهم من سهولة العيش.

لا يجب أن تعيش في سويسرا حتى تتمتع بالخدمات الأساسية، فالعالم اليوم باستثناء بعض الدول المتخلفة التي لا يشغلها إسعاد مواطنيها بقدر ما يشغلها استبعادهم، وحثهم سرا وجهرا على الهجرة ومغادرة أوطانهم، ذلك العالم صار من بدهياته المستقرة أن توفير الخدمات حق من حقوق المواطنة، وهو بالتالي واجب من واجبات الدولة، ومعيار من معايير تقييم أدائها والحكم عليها.

تكاد لا تشعر بالفرق بين الدول التي تقوم على فكرة المواطنة، وتنتظر حكوماتها محاسبة الشعب لها عبر صناديق الاقتراع دوريا، في حرصها على توفير الخدمات لمواطنيها وللمقيمين على أرضها، وكل انشغال للجهاز الإداري في البلديات عندنا، عن معالجة مشاكل القمامة والصرف الصحي وتوفير مياه الشرب وشق وتمهيد الطرق وتطوير البنية التحتية وإزالة أحياء الطوارئ والعشوائيات بطرق غير عشوائية، وتخطيط المدن وتوفير مناطق التنزه للعائلات وأماكن اللعب للأطفال، كل انشغال عن هذه الأمور وأمثالها هو خيانة للأمانة، وهو مناكفة سياسية لا محل لها من الإعراب في عمل البلديات.

من حق أي عميد بلدية أن يكون له طموح سياسي، ولكنه أثناء قيامه بدوره البلدي هو مجرد خادم للناس وساهر على راحتهم، باختياره، فإذا توفرت الخدمات الطبية لكل من يحتاجها، وتوفرت الخدمات التعليمية لكل المستحقين لها، ووصلت الخدمات الأساسية لكل بيت فهو ملك وإن لم يتوج.

عديد القادة والزعماء مروا عبر نفق البلديات، وخاضوا غمارها وعندما نجحوا، قبل الناس بهم وسلموهم مقاليد الحكم في البلاد.

أدوا أدواركم الخدمية بإخلاص، وعندما يشعر الناس أنكم تعيشون همومهم وتشعرون بمعاناتهم فلن يتخلوا عنكم في وقت حاجتكم إليهم.

إن ما ينقصنا اليوم ليس مزيدا من الطامحين إلى تولي المناصب العليا، ولكن ما ينقصنا هو المزيد من العاملين لخدمة البلاد، وتوفير سبل العيش الكريم للمواطن البسيط.

التدوينة النجاح محليًا طريقك نحو النجاح الأكبر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “النجاح محليًا طريقك نحو النجاح الأكبر”

إرسال تعليق