طرابلس اليوم

الثلاثاء، 27 مارس 2018

عطلة نهاية الأسبوع في حياة عائلة ليبية

,

إسماعيل القريتلي

لن أتحدث على وجع القلب و”البغدد” الذي يتجرعه الليبيون بسبب انحسار تفكير الدولة في كل مستوياتها الوطنية والمحلية في التعامل مع الشعب على أن جائع وعريان أي مجموعة من المشردين علينا سد رمقهم وتغطية عوراتهم في طوابير لا تنتهي إما أمام المصارف أو مقار الكتائب أو المجالس المحلية أو الوزارات لمن حالفه الحظ ووصل إلى العاصمة الأبدية لصنوف المركزية.

سأتخيل معكم حالنا جميعا لو كانت صراخات أبنائنا وتكبيراتهم قد وصلت إلى آذان الدولة الصماء منذ اندلاع الثورة التي لم ترفع فيها صورة زعيم أو مناضل بل داس فيها الشعب على صورة الزعيم الأوحد وعائلته المقدسة.

يوم الجمعة مليء بالخطط الاجتماعية والأسرية وهدف التخطيط هو إسعاد العائلة بكل أفرادها بعد أسبوع حافل بالعمل والدراسة وترتيب البيت.

تصحوا الأسرة باكرا بعد أن يكون الوالد قد عاد رفقة صغار الأولاد من المسجد مارا على مخبز أنيق ونظيف عصري ولكنه ينتج خبزا منوعا يتناسب مع يحبه الليبيين قمح وشعير وفارينة وشوية بريوش يصل بهم الوالد إلى البيت.

الجو شتاء والمدفئة موصلة بالغاز الذي يصل إلى البيت عبر أنابيب تخترق حوائط البيت مثل أنابيب الماء يجد الجميع من البنات قد استيقظ والشباب قد عادوا للنوم بعد أن استيقضوا لصلاة الصبح. فيسلم على زوجته ويقبل بناته اللائي جئن ليصبحن على والدهن فيقبلن يده ويأخذن عنه أكياس الخبر الورقية التي تتناسب مع البيئة فهي مصنوعة من ألياف طبيعية تتحلل بعد رميها.

تسرع الأم وإحدى البنات بإحضار السحلب الساخن تتجمع حوله الأسرة من الصغار والوالدين والبنات يبحثون جميعا عن دفء المكان وجمال الاجتماع ويتحدث الصغار والكبار عن طلباتهم في يوم إجازتهم بعد كفاح جميل في الدراسة نالت فيه أغلب البنات شهادات شكر من المدارس والصغار تحصلوا على الكثير من النجمات والرسوم الجميلة على دفاترهم لأنهم نجحوا في إجراء عدد من التجارب العلمية في المعمل بينهما قام أحدهم باختراع طريقة لتنبيت البقول مستخدما أنسجة طبيعة تحصل عليها من المكتبة العلمية في حييهم.

اتفقوا أثناء احتساء السحلب على أن الغداء سيكون في بيت عمهم الكبير حيث يتجمع هذا الأسبوع كل الأبناء المتزوجين والبنات والأحفاد وجدتهم ستكون سعيدة بحضور هذا الجو الأسري بعد أن خرجت من المستشفى الهواري إثر وعكة صحية تلقت فيه العناية الكاملة في غرف مخصصة لكبار السن فيها كل صنوف الراحة وتخصص الدولة لكل مسن يلج المشفى ممرضة خاصة به تعتني به حتى الخروج من المشفى لأيام تصل إلى السبعة هي فترة النقاهة لكبار السن وفق القانون الليبي.

إحدى البنات تحضر مشروع تخرجها في كلية الهندسة قسم عمارة وستدخل إلى مشغلها الخاص في الفيلا التي يملك فيه كل فرد غرفة مزودة بإنترنت عالي السرعة وسينما منزلية بالنسبة للكبار ومكتبة حديثة وشاشات باللمس أغلبها ثلاثي الأبعاد وتحوي كل غرفة مكتبا للدراسة والبحث بالنسبة للكبار وغرفة للعب للصغار.

كما اختار الوالد وهو مهندس معماري كذلك تصميمات عالمية داخل البيت استفاد من زياراته لعديد من دول العالم ذات الثقافات المتنوعة حيث يملك مكتبا هندسيا شارك في تصميم العديد من معالم الأرض منها متحف طوكيو الجديد.

تجهز الأم وهي طبيبة عيون تعمل في عيادة الحي العمومية تساعدها خادمتها التي تتقن ثلاث لغات الإفطار الصحي الذي يحوي عصائر طبيعية وقطع الفواكه الطازجة بعضها التقط من بستان الفيلا من قبل الوالد الذي يحب العناية بحديقة الفيلا المبنية على ألفي متر مربع في حي جميل وهادئ مكتمل البنية التحتية ككل أحياء المدينة.

يسمى الحي بحي القرنفل لأن البلدية وهيئة البيئة المحلية قد خططتا من فترة بتقسيم الأحياء وفق زراعة شجرة أو نبتة يتم نشرها في حدائق الحي وشوارعه وتشجيع الأهالي أن يزرعوها في بيوتهم ومن ثم يحمل الحي اسم تلك الشجرة أو النبتة ونجحت المدينة بذلك أن تدخل عدة موسوعات عالمية وتحصلت على جوائز من منظمات إقليمية وعالمية ومحلية وسميت لسنوات متتالية المدينة الأكثر مكافحة للتصحر والأكثر اتساعا في مساحاتها الخضراء.

الخيارات لا تنتهي بعد غداء العائلة الجامع والتخطيط لإجازة الربيع بين كل أفراد العائلة الكبيرة لا تنتهي فيه الأفكار فهناك من الشباب من يعرض رحلات استكشافية جديدة للصحراء حيث توجد أحد أهم محميات الغزال الصحراوي في العالم ويقدر عدد زوارها عبر مطارات ليبيا العشرين ما لا يقل عن 5 ملايين سائح يأتون خصيصا لمشاهدة الغزلان بعد موسم التكاثر كما توجد بالمحمية أحد أهم مراكز البحوث العالمية المتخصصة في حيوانات الصحراء الكبرى والتي يفد إليها مئات العلماء المتخصصين كل عام وتعقد مؤتمرها السنوي الذي يشجع المواطنون على حضور المعارض التي تقام على هامشه وتعرفهم ببيئتهم والجهود المبذولة لحمايتها ودور المجتمع في كل ذلك.

ذكرت إحدى بنات العائلة وهي إخصائية بيئية تحصلت على الدكتواره أخيرا في بحثها من جامعة العلوم الطبيعية في مدينة البيضاء وكان البحث يتحدث عن نبتة الشماري وهي فاكهة برية كادت أن تنقرض لو منحة من جامعة سبها استطاع من خلالها بعض البحاث بدعم من الدولة وجميعة رجال الأعمال الليبيين التي تبرعب بمبلغ 10 ملايين دينار لإتمام بحوث تتعلق بإيجاد علاج لأحد الأوبئة التي أصابت الشماري في سنوات سابقة.

احتسى الجميع الشاي برغوته الجميل وبسلالة نعناع طبيعية محسنة طبيعيا أيضا تزرع في مدينة النعناع قمينس سابقا حيث يصدر نعناعها إلى الصين حيث يدخل في الصناعات الطبية هناك وتختص بعض مقاهي لندن بتقديم الشاي بنعناع قمينس.

قرر أحد الأعمال أن يخرج بكل أطفال العائلة دون الخامسة عشرة إلى منتزه الأسماك المقام تحت مياه البحر في جليانه حيث يتعرف الصغار على أنوع البحريات خصوصا وأن عدد منها يهاجر إلى ليبيا ليضع بيضه في مياه شواطئها الدافئة التي بفضل حملات أهلية مدعومة من عدد من المنظمات المحلية والعالمية وبمنحة من وزارة البيئة إلى تنقية وتطهير الشواطئ الليبية من مخلفات مياه المجارى كما صدرت تشريعات من البرلمان الليبي بعد مذكرة قدمتها تنسيقية منظمات حماية الحياة الطبيعية والبيئة في ليبيا والتي تعتبر أحد أهم مجموعات الضغط في ليبيا ولها تأثير إقليمي واسع وحضور دولي لافت وكانت مذكرتها التي عرضت ملخصها أكثر من 30 فضائية ليبية وخصصت لها عشرات الصحف ومواقع الإنترنت الكثير من الدعم لينتهي إلى صدور تلك التشريعات التي تفرض على السفن التي تجوب مياه ليبيا شروطا تفصيلية تتعلق بحماية البيئة والحياة البحرية.

بعض الشباب والبنات قرروا أن يحضروا عروض الموسيقى العالمية والمحلية التي تستضيفها دار الفنون كل عام ودار الفنون تقع في الحي الثقافي وهو يقع وراء منارة اخريبيش حيث تعاونت الدولة ومؤسسات أهلية ومنظمات إيطالية وتركية وإنجليزية بالتعاون مع اليونسكو في إعادة بناء وسط المدينة بنفس أنماطها التاريخية وجذبت بعد الانتهاء من الصيانة والبناء الجديد المخطط وفق المباني التاريخية ملايين السواح سنويا وتقام في الحي الثقافي مئات المناشط والفعاليات على مدار العام ولا يمر على أسر المدينة أسبوع دون أن يزوروا الحي الثقافي لغزارة ما يقدم فيه والإبهار وحسن التنظيم الذي حاز الحي بسببه على جوائز عالمية عدة تجاوزت مائة جائزة منها أوسكار الجمعية التاريخية في جزيرة موريشوش.

قررا الوالدان أن يستقلا مترو المدينة ليصلا إلى مدخل المدينة الشرقي حيث توجد فيه محمية طبيعية تمتد على ضفاف البحر من طلميثة وحتى مدخل المدينة وهي تعج بالحياة النباتية والحيوانية وعلى شوائطها بنيت عدد من مرافئ اليخوت التي يملك تقريبا كل سكان المدينة منها يختا.

كانا ينويان سقي شجرتهما في حديقة الحب حيث اعتاد سكان المدينة أن يأتي كل عريسين لغرس نبتة يحبانها في تلك الحديقة ويحفر على لوح خشبي يوضع جنبها اسم العريسين وتاريخ الغرس. لقد غرسا نخلة أحضروا فسيلتها من أوجلة واختارها لهما صديق من هناك. هي الآن نخلة مثمرة يوزعان رطبها وتمرها على كل أفراد العائلة.

نزلا من الترام وتوجها لمسجد المحمية حيث صليا المغرب وانطلقا بعدها في ممرات المحمية المتعرجة والتي صممها عدد من أساتذة العمارة والبيئة والحياة الطبيعية وفق معايير متشددة في حماية البيئة عملا بتشريعات المدينة التي تمنع اقتناء السيارات التي تعمل بالبنزين أو النفط بل كل سيارات المدينة وهي ليس كثيرة تعمل بالكهرباء أو بالطاقة الشمسية ويعتمد سكان المدينة على المشي وركوب الدراجات الهوائية أو التحرك بوسائل النقل العامة من قطارات ومترو وحافلات وقوارب وكل هذه الوسائل صديقة للبيئة.

المصار ف في المدينة عبارة عن عناوين إلكترونية فالمدينة لا تتعامل بالعملة الورقية والنقد بل ببطاقات الإئتمان وكل ذلك يتم عبر البوابات الإلكترونية للبنوك والمدينة متاح فيها الإنترنت مجانيا بعد تنفيذ مشروع الحوكمة الإلكترونية التي أوقفت أي حاجة للموطنين للتوجه إلى مقار حكومية بل تحولت الكثير من المقار الحكومية إلى مقار للجمعيات الأهلية التي يكثر عددها في المدينة فبحسب آخر إحصاء بلغ متوسط عدد الجمعيات الأهلية المنضوي تحتها كل مواطن في المدينة 5 جمعيات إحداها معنية بالحياة الطبيعية والبيئة.

بعد زيارة نخلتهما قررا الذهاب إلى حي السينما في غرب المدينة وقررا هذه المرة ركوب البحر وصولا إلى هناك مستخدمين يخت العائلة وتعج المياه بالمقاهي العائمة التي تجوب البحر تغيب عن الشاطئ ساعتين وبعضها أربع ساعات وترسوا بعضها الآخر على مجموعة الجزر الصناعية التي تأسست بجهود تحالف للشركات المحلية.

كان الفيلم يروي قصة إحدى حيوانات جبل نفوسة المهددة بالانقراض وأنجز الفيلم مخرج من مدينة غدامس بالتعاون مع منظمة حماية الصقر الليبي التي تتخذ من الجبل الأسود مقرا لها لوجود نفس سلالة الصقر فيها واستخدم المخرج الصور الطبيعية ودورة حياة الصقر وتضمن مشاهد مؤثرة للحد الذي أجهش بسببها بعض الحاضرين بالبكاء. واللافت للنظر أن عدد الأجانب كان كبيرا في صالة العرض وبعضهم كان من المتخصصين وحضر افتتاح العرض الأول مخرج الفيلم ورئيس جميعة الصقر الليبي بالجبل الأسود كما كان بين الحضور رئيس الوزراء المعروف عنه وله بالصقر الليبي وهو عضو في الجمعية.

خرجا من الفيلم وقررا التجول في أزقة وشوارع المدينة في جهاتها الغربية حيث اعتادا الجلوس في مقهى برازيلي يقدم القهوة بمذاق برازيلي وكل العاملين فيه من البرازيليين. وعادة ما تكون الخلفية في المقهى موسيقى قيتار برازيلية خافتة الصوت واعتاد سكان المدينة في جزئها الغربي زيارة هذا المقهى في هذا الوقت من الأسبوع ويأتي إليه الأزواج دون أبنائهم.

وصل الجميع إلى الفيلا بحي القرنفل قرابة الحادية عشرة ليلا وبدأوا التجمع حول المدفأة الغازية المحفورة في الجدار يضعون عليها البطاطا الحلوة وحبات الكستناء ويتحدثون عن انطباعاتهم في جولاتهم أثناء عطلة نهاية الأسبوع.

 

التدوينة عطلة نهاية الأسبوع في حياة عائلة ليبية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “عطلة نهاية الأسبوع في حياة عائلة ليبية”

إرسال تعليق