طرابلس اليوم

الأحد، 25 مارس 2018

تجنب الجنوب

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ، قالها المتنبي قديماً لتحمل دلالة العزم عند أهل القيادة والحكم في الحرب والسلم ، ولكن حكوماتنا المتناثرة هنا وهناك لم تعي هذه الدلالة فأصبحت العزائم تأتي بناءً على عزيمة الطرف المقابل ، فأمست المنافسة على تقديم الأفضل والأنجح مقتصرة على مدى ما يقدمه الآخر ولا يزيد ، وهذا ديدن مؤسساتنا في ليبيا تجارية وخدمية بل وسياسية .

جنوب ليبيا تلك البقعة المنسية سكاناً وأرضاً الحاضرة بقوة في البروتوكولات الدبلوماسية وداخل براويز تزين ردهات وزارة السياحة لتبرز تنوعاً حضارياً وتراثياً نفتخر به حينما يحل علينا ضيف و لا أكثر من ذلك .

غابت حكومة الوفاق الوطني عن المشهد الجنوبي طوال الفترة الزمنية الماضية التي انطلقت مذ تسلمه زمام الأمر في طرابلس ، وزاد هذا الغياب واستفحل لدرجة أن ما نتج عن أزمات الجنوب بدأ يصل رويداً رويداً إلى الساحل فأصبحت الجفرة تعاني ما تعانيه سبها ومرزق ، ولكن لا وفاق لمن تنادي ، إلى أن تقدم قادة عملية الكرامة مؤخراً بمبادرة جوية قصفت على إثرها تجمعات للمعارضة التشادية العابثة بأمن الجنوب وسكانه وبعض المجموعات الأخرى دعماً حسب ما أفادت للواء السادس المتمركز في مدينة سبها والذي يخوض حرباً غير مفهومة المعالم مع مجموعات مسلحة تنتمي لقبائل التبو الليبية العابرة للحدود ، والملفت في الأمر أن اللواء السادس يتبع في إمرته لدفاع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس ويتلقى دعماً جوياً من منافسيه من قوات خليفة حفتر في طبرق ، وما أن تحركت سلطات الشرق حتى أحست سلطات الغرب بالحرج الشديد تجاه هذه المبادرة فبحثت هي الأخرى عن ردة فعل تضاهي فعل قادة الكرامة فنسقت مع طائرات واشنطن لقصف منزل يحوي إرهابيين في أوباري لهم صلة بأحداث الجنوب الأمنية .

حتى في مسألة الدعم يقبع الجنوب في خانة الرد والفعل الموازي ، فكلتا الحكومتين شرقاً وغرباً تدعمان أو هذا ما تصرحان به اللواء السادس في سبها ضد من أسمتهما مرتزقة أتوا من جنوب الصحراء ، كما رحبتا كلتاهما مسبقاً في رد واحد بمجهودات ايطاليا لحل النزاع السليماني التباوي المؤدي لذات الصراع ، وتتناسى كلتاهما مشاكل أخرى في مرزق وغات بل تتغاضيا في رد موسيقي ممل يحمل نفس النغمة تجارة تهريب البشر التي تحدث أمام الجميع دون استحياء من المهربين الذين استعاضوا بالطريق الرئيسي للدولة بدل الطريق الصحراوي ، فلا يوجد ما يمنع .

إن ردود الأفعال بناءاً على أفعال الغير دونما رفع سقفها سياسة ستودي بالحالة الليبية إلى مزيد التأزم ، وستودي بمنطقة الجنوب إلى خروج قرارها عن أيدي متنازعي السلطة بغض النظر عن أحقية أي منهما عن الآخر ، فالجماعات المسلحة التي تجوب الصحراء الليبية الكبرى دون حسيب أو رقيب لن تكتفي بما اقتطعته لنفسها من أراض وقرى بل ومدن بل ستطمع في توسعة هذه الرقعة حتى تصل إلى نسائم بحر الشمال والتي بدأت تقترب منه بوجودها في الجفرة وفي حزام الهلال النفطي بتنسيق مع قوات خليفة حفتر ، ناهيك عن التدخلات الإقليمية المباشرة من دول كتشاد التي جعلت من الجنوب الليبي ساحة تصفية حساب مع معارضتها ومصر والامارات اللتان تدعمان أي زعزعة في ليبيا في شمالها قبل الجنوب .

فإلى متى يبقى الجنوب ومن خلفه ليبيا مرتعاً للفعل الخارجي ، منتظراً ردة الفعل الداخلية التي تتجنبه وتتجنب مشاكله.

التدوينة تجنب الجنوب ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تجنب الجنوب”

إرسال تعليق