طرابلس اليوم

الثلاثاء، 20 مارس 2018

روح الحرب الأهلية ودورها في تمكين الفساد في ليبيا

,

إسماعيل القريتلي

مجددا أجدني مقودا للحديث عن الفساد والاستبداد في ليبيا في بنيته الحاضرة بعيدا عن شماعة المنظومة السابقة دون أن يُفهم أنه محاولة تبرئة ساحتها. لكن في تقديري النظري (مبني على ملاحظات ومعايشات ومطالعات وليس دراسات ومسوح إحصائية) الفساد يتسع لحدود غير مسبوقة كلما سيطرت روح الحرب الأهلية وأدواتها؛ لأن الأخيرة تعيد هيكلة البنى المجتمعية وهياكل الدولة والسلطة لتتناغم مع حال الحرب المسيطر على الموارد ومراكز النفوذ.

هدم المؤسسات:

لعل أولى ما تفعله روح الحرب تفكيك الأنماط المؤسسية بحيث تتغلغل مجموعات انتهازية جديدة أو مختلطة في هياكل الدولة والسلطة بناء على استغلال مواردها لتمويل روح الحرب حتى في حال توقف الاقتتال فعليا لأن روح الحرب تمنحهم غطاء تفكيك المؤسسات للحفاظ على استمرار الحذر من اختلاطها مع الخصوم والمجموعات الانتهازية المقابلة.

الانقسام:

ينتج عن روح الحرب كذلك انقسام في هياكل الدولة والسلطة تغذيه المجموعات الانتهازية ممثلة في سياسيين وأعيان ورجال دين ومسلحين ومثقفين ورجال أعمال وغيرهم، ويمنح هذا الانقسام متعدد المستويات ليس هوامش للفساد، بل ساحات واسعة يصبح معها ممارسو الفساد أكثر جرأة فالانقسام يضمن لهم استحالة المحاسبة وتصير تقارير مثل التي تصدر عن ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية ومكاتب التحقيقات في الجهاز القضائي لا تأثير لها على الواقع بل تصبح الأحكام القضائية غير نافذة.

إعلام مروج:

تخلق روح الحرب إعلاما مكملا يقتاد على ترويج الانقسام وتشويه وعي الناس وتحريض الجماعات السكانية للالتفاف حول رموز الفساد الذي يسعى الإعلام إلى إعادة ولادتهم مرات عديدة.

انتشار الفساد أفقيا:

ومع اتساع مستويات الفساد ينخرط فيه جموع من الناس العاديين مثلما حصل مع المتاجرة بالبطاقات الممنوحة للأسر خارج ليبيا حيث مئات من الشباب والبنات يثنون بعملية تفريغ يومي للبطاقات المجمعة من مجموعات عصابية تتاجر بها، ويجد عديد الشباب المغتربين في ذلك سببا لتحصيل بعض المال في ظل ضعف هيكلي في مؤسسات الدولة، واللافت أن هياكل الدولة تأخذ في إنتاج الفساد طريقا في ترضية أو تخدير الناس العاديين.

فوضى التحالفات:

ويؤدي سيطرة روح الحرب وظهوره نزعة الفساد إلى تأسس خطوط إنتاج مستمرة للفساد ستظهر إما في إعادة شبكات التحالفات الجديدة إما لخوض الانتخابات المُحتملة والتي تتطلب أموالا طائلة من المرجح أنها باتت مكدسة في حسابات المجموعات الانتهازية وستكون الوحيدة القادرة على دعم حملات مرشحيها، وإما لتعطيل الانتخابات لمواجهة احتمال ظهور سيف الإسلام القذافي الذي قد يحظى بتأييد جموع الناس الذين ما يزالون في المنطقة الرمادية.

هدم المقدس:

وآخر الملاحظات ع روح الحرب هي تحطيمها لكل ما كان مقدسا بين الناس مثل المؤسسات الدينية والأعيان وقليل من المثقفين والأكاديميين بسبب توزع عديد المنتسبين لأولئك على المجموعات الانتهازية لتبارك وتبرر روح الحرب والفساد المؤسس عليها.

الروح المؤسسية:

ليس سهلا الحديث عن حلول ومعالجات وسط هذا الانقسام والصراع الصفري المقصود ثم إعادة التموضع في تحالفات جديدة الهدف منها الحفاظ على أعلى معدلات الانتفاع فسادا من روح الحرب والانقسام، لكن نقطة البداية تبدأ من نخبة واعية بما تدمره روح الحرب وقد يكون بعضها عاش ردحا في مستنقع الحرب والفساد، تعمل هذه النخبة على توسيع وجودها بأدوات ترفض روح الحرب وتختلف عن تلك التي تستخدمها المجموعات الانتهازية وتعمل لتأسيس نماذج مؤسسية تعمل في مختلف النشاطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بروح السلام التي تنمو معها قواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة من تخطيط ومتابعة وشفافية ومراقبة وتعديل ومحاسبة.

الروح المؤسسية القائمة على قواعد الحوكمة مدخلا أساسيا لمواجهة روح الحرب ومخرجها الأهم وهو الفساد، لأن الناس العاديين يَرَوْن فيها نموذجا ممكنا للعيش وكسب الرزق دون الاضطرار إلى الانتماء إلى المجموعات الانتهازية المغذية لروح الحرب.

التدوينة روح الحرب الأهلية ودورها في تمكين الفساد في ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “روح الحرب الأهلية ودورها في تمكين الفساد في ليبيا”

إرسال تعليق