طرابلس اليوم

الأحد، 18 مارس 2018

كيف أنتجت الفوضى نخبة فساد واستبداد؟!

,

إسماعيل القريتلي/ صحفي وكاتب ليبي

موضوعيا، لا يتوقع أن تنجح المجتمعات التي يقع في دولها تغيير عنيف سبببه احتراب بين مجموعات سكانية وتدخلات خارجية في بناء نظام سياسي نظيف تتحقق فيه قواعد الحكم الرشيد من شفافية ورقابة ومحاسبة، بل ما يحدث عكس ذلك؛ إذ تؤدي مجموعة الفراغات الناتجة عن سقوط منظومة الحكم المنهارة في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى تعبئتها بأعداد متناقضة من المنتصرين في الاقتتال الذي أسقط المنظومة السابقة.

تأمل سنوات الثورة الفرنسية العشرة 1789 – 1799 منذ سقوط سجن الباستيل وقطع رأس الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت ثم إسقاط نابليون بونابرت حكومة الإدارة والجمعية الوطنية (سلطة الثورة-الجمهورية الأولى)، تأمل هذه السنوات يمنحنا دراية بحجم الفساد السياسي والمالي والإداري والاجتماعي، بعد سيطرة الطبقة الثالثة في المجتمع الفرنسي وهم المواطنون العاديون الذين جاءوا على إثر إنهاء استبداد طبقتي الأمراء ورجال الدين، والأرستقراطيين، وهو الأمر الذي انتهى برجوع النظام الملكي بعد انتهاء حكم نابليون ورجوع الملك لويس الثامن عشر سنة 1814.

في ليبيا بعد 7 سنوات من حكم فبراير تأسس سياق اجتماعي جديد تمكنت فيه طبقة جديدة عاش أفراداها في المجمل تهميشا مركبا أو جزئيا ففي تلك الطبقة الجديدة تجد من كان مهمشا اجتماعيا وسياسيا وماليا وثقافيا ودينيا، واليوم هم من يحكم ليبيا؛ إذ يسيطرون على هياكل الدولة وأجهزة السلطة بما في ذلك القرار السياسي والمالي، ليمكنهم نفوذهم الجديد من إعادة ترسيم وجودهم اجتماعيا بسبب ما يملكونه من سلطة السياسة والمال.

هذا الطبقة الجديدة تتكون اليوم من سياسيين وحكومات ومجالس تشريعية، وشخصيات عامة أحزاب سياسية، ومقاتلين ومليشيات مسلحة، ورجال دين ومؤسسات دينية، واقتصاديين وماليين ومؤسسات مالية واقتصادية، ورجال أعمال وشركات تتغذى على المال العام، وأعيان وبيوت وعوائل وقبائل، ومثقفين وإعلاميين وصحفيين وواجهات إعلامية.

تقرير فريق الخبراء الأخير الصادر عن الأمم المتحدة يذكر عشرات الأسماء من هذه الطبقة الفاسدة الجديدة ويتحدث عن سيطرتها على أموال عامة تقدر بالمليارات، إلى جانب ما يذكره ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، وقد بلغ الفساد في بعض صوره مستويات لم تبلغها في عهد حكم القذافي رحمه الله.

هذه الطبقة من الضروري خضوعها لدراسات اجتماعية تستخدم المناهج الكمية والكيفية لجمع معلومات مرقمنة ثم تحليلها، وكذلك دراسات نفسية تحليلية للوقوف على أثر تلك الطبقة الجديدة على الدولة والمجتمع والسلطة، فضلا عن محاولة الوصول إلى معالجة موضوعية تضيق من وجودها في كل أوجه الحياة العامة وصولا إلى تحييدها بالكامل كما حدث مثلا مع طبقة الحكم في عهد الجنرال فرانكو في إسبانيا.

لكن سيناريو العجز عن تحييد هذه الطبقة قد ينتج عنه إما تمكنها الكامل من موارد الدولة فيقودها إلى الاستبداد بالأمر لتحكم مدة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى أو أن تقود لموجات من العنف والاحتراب مع من يريد أن يدخل إلى الطبقة فيتقاسم معها المكاسب وهذا يزيد من الفوضى والانهيار.

التدوينة كيف أنتجت الفوضى نخبة فساد واستبداد؟! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “كيف أنتجت الفوضى نخبة فساد واستبداد؟!”

إرسال تعليق