طرابلس اليوم

الجمعة، 31 مارس 2017

فوضى المنظمات الدولية في ليبيا

,

محمد تنتوش/ كاتب ليبي

 

فور اندلاع الثورة وتدخل المجتمع الدولي في الأزمة الليبية خلال سنة 2011 بدأت المنظمات الدولية تعد نفسها ليكون لها دور في ليبيا أيضا ، وبدأ هذا الدور بداية بالحملات الطبية والإغاثية التي استطاعت الوصول الى المناطق الخارجة عن سيطرة القذافي خلال فترة النزاع ، وتكاثفت هذه الجهود شهرا بعد شهر حتى انتهاء فترة الحرب و الانتقال الى المرحلة الانتقالية والتي اصبح فيها دور المنظمات الدولية مختلفا ، إذ أن قضايا الديمقراطية والمرأة  وحقوق الانسان والتوعية وتنمية الموارد البشرية أصبحت على رأس الأولويات ، نظرا لما تقتضيه مرحلة التحول من دولة لم يكن فيها دور للمجتمع المدني الى دولة يكون فيها للمجتمع المدني دور رئيسي .

لقد تزامن هذا النشاط للمنظمات الدولة مع موجة تأسيس منظمات المجتمع المدني المحلية إذ تأسست اكثر من 3000 منظمة محلية خلال عامين فقط ، أغلبها كان مهتما بالجانب الإغاثي ، واستطاعت الكثير من هذه المنظمات الحصول على منح المنظمات الدولية ودعمها في مجالات مختلفة في ظل غياب الدولة عن دعم المنظمات الأهلية واصدار قانون تنظيمي تفصيلي مناسب لها على غرار ما حدث مع الأحزاب ، لكن أزمة الحرب الاهلية خلال سنة 2014 وخروج معظم المنظمات والسفارات الأجنبية من ليبيا أظهر جليا عدم قدرة الكثير من المنظمات المحلية على الاستمرار في العمل دون دعم ومنح المنظمات الدولية ، ولم تستطع سوى منظمات قليلة الصمود في وجه هذه الأزمة التي أظهرت وجها آخر للمنظمات الدولية تم التركيز عليه بفعل دورها في التعامل مع قضايا النازحين والمهاجرين غير الشرعيين منذ انطلاق الحرب الأهلية خلال سنة 2014  وتمثل هذا الأمر في فوضى التعامل مع مثل هذه القضايا إذ أن الجهود الدولية ومعها الجهود المحلية اتسمت بالفوضوية وعدم التنسيق ، وهو ما دفع الكثيرين للتركيز على باقي المنظمات الدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة وتلك التي لا تعنى فقط بمجال المساعدات الإنسانية ، والتي بدأت في محاولة العودة للعمل على القضايا الليبية من خلال مقراتها في تونس وبعض الموظفين المحليين في ليبيا متزامنا مع الجسر الجوي الذي تكون عرفيا ما بين العاصمة طرابلس و مطار تونس قرطاج حاملا معه أفواجا من الليبيين لحضور ورش عمل وتدريبات و نقاشات مختلفة كان لوكالات الأمم المتحدة وشركائها  منها نصيب كبير .

وقد يتساءل البعض عن السبب الذي يدفع المنظمات الدولية للاهتمام بليبيا ومساعدتها ، وبعيدا عن نظريات المؤامرة واستغلال هذه المنظمات الدولية من قبل المخابرات  وغيرها (رغم اننا لا ننكر احتمالية كبيرة جدا لوجود مثل هذه الحالات ) لكن للأمر وجه آخر يتمثل في بعض النقاط الرئيسية ، أولها أن وكالات الأمم المتحدة ملتزمة بمساعدة ليبيا لأنها دولة عضو كانت تساهم بدورها في مساعدة الدول الأخرى قبل بداية أزمتها من خلال ذات العضوية ، أما فيما يتعلق بالسفارات أو المنظمات التي تمثل بعض الدول فهي ملتزمة أيضا بمساعدة ليبيا وفقا لاتفاقيات اجتماعات دول أصدقاء ليبيا وهو  جانب آخر من السبب ، لكن الأمر أيضا لا يمكن أن يخلو من الاستفادة المالية المباشرة للمنظمات الدولية اذ تستفيد بعض هذه المنظمات من المنح التي تقدمها وكالات الامم المتحدة و الدول المانحة في قضايا محددة ، وهذا الاستغلال تتم ترجمته من خلال تنفيذ أقل ما يمكن من عمل على الواقع وصرف أكبر قدر ممكن من المنح المالية على التدريب والاجتماعات وتوظيف أكبر عدد ممكن من الأجانب استفاد منه الاشقاء في تونس ايضا من خلال فرص عمل توفرت للكثيرين من شبابهم مع رواتب مرتفعة ، دون أن يكون للأمر نتائج طويلة الأمد أو نتائج ومراحل مرتبطة ببعضها البعض تفضي الى تغيير واقع ملموس إذ ان المطلوب دوما هو البحث عن المنح أينما كانت بغض النظر عن جدوى المشروع او المجال الذي قُدِّمت فيه هذه المنح .

لا شك هنا أن غياب الدولة و عدم وجود أطر تنظيمية دقيقة وفوضى المجتمع المدني المحلي أيضا لعبت دورا رئيسيا من خلال استمرار عبث بعض المنظمات الدولية بهذه الطريقة ، لكننا يجب أن ندرك جميعا أن استمرارنا في عدم التركيز على الأمر لا يسبب ضررا الا لليبيا وللمجتمع المدني بها  واستمرارنا في التعامل مع مثل هذه الفوضى على انها مجرد رحلات سياحية لتونس و مرتبات جيدة لبعض الشباب الليبيين سيجعلنا أيضا في موضع الاتهام والتخلي عن المسؤولية في وقت صعب جدا.

التدوينة فوضى المنظمات الدولية في ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “فوضى المنظمات الدولية في ليبيا”

إرسال تعليق