طرابلس اليوم

الأحد، 26 مارس 2017

فن الممكن 

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي

تكاد تكون من أكبر مشاكلنا وهي استيراد المصطلحات والتعريفات دون تحريرها وفهمها فهماً عميقاً في مكان ولادتها ، ومعرفة مدى ملاءمتها لواقعنا .
فهذه المصطلحات وليدة بيئة معينة تطورت وتشكلت فيها ، فلا  يصح نقل الصيغة النهائية التي تشكلت  عليها  ،  دون مراعاة أسباب النشوء  ومناخها العام  الذي ترعرت فيه   ، إذ أن هذا المناخ له خصوصية  اقتصادية و اجتماعية  وسياسية وفكرية ، تختلف هذه الخصائص عما هو في مجتمعاتنا العربية .
صحيح أن أصول الظواهر الإنسانية تتشابه وتتقارب ولكن تبقى الخصوصية بكامل توابعها هي الرافض والقابل للتوصيفات والتعريفات والحلول .
يمكن أن نرى ذلك جلياً في نقل مصطلحات الماركسية ومحاولة إيقاعها على الشعوب العربية البسيطة في مجملها  فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي  ، حيث صَـنفت المجتمعات إلى طبقات  وبدأت الأنظمة في عمل صراع  بين هذه الطبقات  و التي استتبعها أيضاً ممارسات وعنف ثوري  دمرت هذه الشعوب اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً .

و في وقتنا الحالي عند  النظر في السياسة الغربية التي تعرف السياسة على أنها ( فن الممكن ) ، تظهر عندهم _فن الممكن_ ممارسةً على شكل مواءمة وملاءمة بين متزاحمات وهي تأمين مصالحهم  وتأمين مصالح الناس  ومصلحة الوطن العليا .

لا كما يُفهم عندنا على أنها فن الممكن في المراوغة والخداع أو النصب والسرقة أو التغرير بأبناء الوطن والمغامرة بمصيره.
إن أغلب من تصدروا المشهد السياسي في ليبيا لم يأخذوا   المعنى الإيجابي لهذا التعريف أو يأخذوا تطبيقه في بلد نشوئه حيث تُراعى فيه مصلحة الوطن العليا ومصلحة المواطن وكذلك مصلحة السياسي سواء كان ( شخصية أو حزباً )   ، بل قلبوا المعادلة رأساً على عقب وظلت مصلحة السياسي هي الأولى وهذا ما يفسر لك حالة الصراع الدموي الحاصل  والذي تتبعه قنوات مأجورة وأقلام مدفوعة الثمن وشراء للذمم وتكالب على المصالح .

حتى  أنه  وبعد تشكيل المجلس الرئاسي  غير المتوافق  من أساسه، لم يستطع إدارة  الدولة ولا العمل على تسيير أمور الناس، فضلاً عن ضلوع بعض شخصياته في مؤمرات تحاك ضد مصلحة الوطن العليا .

 

وما أنتج ذلك برأيي هي سياسة المصالح التي تضطلع بها كثير من الشخصيات والمجموعات الليبية البعيدة عن مصلحة السياسة .

إن كثيراً من المجموعات والتكتلات السياسية لم تستطع التوافق فيما بينها فضلاً عن تصدير ذلك للمجتمع أو ترجمته إلى ممارسة فعلية ،  بل كان  سلوك المصلحة والنفعية هو الأبرز في التعامل حتى فيما بين أفرادها ، مما يعود بالارتباك والفوضى في أي مشهد توافقي نسعى إليه  ، ولم يقتصر ذلك على  المجموعات السياسية الناشطة بل تعداه إلى المؤسسات الرسمية في الدولة أمثال (  مجلس النواب ، والمؤتمر الوطني ومجلس الدولة ) مما صعب عملية الوصول إلى تفاهم مشترك بين أبناء الوطن الواحد .
وعلى هذا فإن السياسة تختلف اختلافاً جوهرياً بين كونها فن تحدي الواقع وتغيير معطياته حتى يصير ممكناً ، وبين الرضوخ له والتعامل   بحسابات القوة والمصلحة  .

إن فن الممكن يخلق تحدياً  لكل المجموعات السياسية  في توسيع المساحة المشتركة التي تجمع فئات المجتمع وتؤلف فيما بينها في القضايا التي تدل على وحدة الإرادة ووحدة المصير وأهمية العيش المشترك ، وزرع الانتماء بالقول والممارسة.
وأن تخلق فضاءات يمكن العمل فيها  وهي بناء مؤسسات حقيقية  على أي مستوى كانت؛ وهي المؤسسات التي تسهم في بناء المجتمع من خلال آلية عملها ، وكيفية تعاطيها مع الإنسان الفرد والجماعة ، وإزالة كل العوائق التي تمنع المواطنين من التفاعل ,وممارسة المواطنة  والشعور بها .

إن التوجه الغربي السائد فيما يسمى المجتمع الدولي و الذي يعطي على قدر الحجم والقوة فقط ، فعليه إن مصلحة السياسة  وفن الممكن عندنا تقتضي التوجه نحو العمل على ردم الهوة بين السياسيين وفئات المجتمع ورعاية الأول لمصالح الثاني وفهمه والاستماع إليه وأن يبقى في مستوى طموحاته وتضحياته

عندها سينظر الخارج بعين مغايرة إلى الصف المتكامل بما يتناسب مع تأمين مصلحة  الداخل .

التدوينة فن الممكن  ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “فن الممكن ”

إرسال تعليق