طرابلس اليوم

الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

ما بعد الجامعة …إلى أين المفر ؟

,

محمد تنتوش/كاتب ليبي

حفل التخرج ، إنه الاسم الأكثر تأثيرا على قلوب طلبة الجامعات والمعاهد العليا ، ما أن يذكر الاسم أمامهم إلى ورأيت القلوب والعيون تطير فرحا بسماع الاسم خاصة اذا اقترب موعده أكثر من ذي قبل ، الموعد الذي تخيله أولئك الطلاب منذ أول يوم لهم بالجامعة ؛ينتظرونه كما ينتظر المسجون موعد انقضاء مدت سجنه ويفرحون بقدومه أكثر من فرح أول مولود تأخر وصوله بعد عناء طويل ويأس كاد يصيب والديه .

يعتبره البعض لحظة الخلاص ، خاصة مع حالة التعليم السيئة التي أصبح عليها التعليم الجامعي في البلاد وحالة الظلم التي يمر بها كل طالب تقريبا مع مدى تعقد العلاقة ما بين التلاميذ من جهة  ومعظم اعضاء هيئة التدريس و موظفي الجامعة من جهة أخرى ، ولحظة التخرج يسميها البعض نهاية آخر الأحزان .

الاستمرار في العملية التعليمية وسط حالة من الحرب و توقف الدولة عملية شاقة جدا للطلاب و للمدرسين وللأهل وللجميع تقريبا ، لكن الاستمرار فيها ملحمة في ذاتها يختارها الطلاب كتحدي صامت لما يحدث في هذا البلد من دمار ، تنقضي فترة الدراسة وينقضي معها الكثير من رسوم الكاريكاتير و الكوميكس التي تعرض مشاكل العملية التعليمية بطريقة ساخرة ، يأخذ الخريج صورة جميلة وسط أصدقائه وأسرته و محبيه ، تعلو وجهه ابتسامة جميلة ، يعود إلى المنزل يكتب عن جمال تلك اللحظة ، يشكر كل أصدقائه وأهله و أعضاء هيئة التدريس على ما بذلوه جميعا من أجل الوصول الى تلك اللحظة ، حتى الأساتذة الذين كان يكرههم سيشكرهم فذلك اليوم عيد وفي العيد تتسامح القلوب ، يستيقظ اليوم الثاني وهو يشعر بسعادة تغمره وهو يجرب كنيته الجديدة “خريج ، مهندس، طبيب ،محامي …الخ ” يعود الى سخط الجامعة مرة أخرى ليستكمل إجراءات الحصول على إفادة التخرج ثم بعد ذلك إلى أين المفر؟

بعد أن ألهته فترة اتمام أوراق التخرج مدة من الزمن يبدأ أغلب الطلاب في البحث ، عن ماذا؟ الكثير لا يعلم ، ولعلها تكون أكثر فترة يطرح فيها الانسان أسئلة على نفسه تكون في فترة ما بعد التخرج فقبل ذلك كل شيء كان مخططا له ، التعليم الابتدائي ثم الاعدادي ثم الثانوي وفي أحيان كثيرة لا يفكر في الأمر كثيرا لاختيار تخصصه الجامعي ، طبيب ، مهندس ، محامي هكذا يريد الأهل ، وللأهل ما أرادوا ، 24 سنة يعيشها الإنسان في حياة مخطط لها أو على الأقل في حياة لها قوالب جاهزة يمكن للجميع أن يحصل عليها ، ثم فجأة يجد الإنسان نفسه وسط أسئلة لا حصر لها تبدأ من السؤال حول الخطوة القادمة وقد لا تنتهي عند أسئلة وجودية لم يفكر فيها من قبل .

قد يجد الكثيرون في البحث عن وظيفة حكومية والاستمرار على عادة 1.6مليون مواطن ليبي يحصلون على مرتباتهم من الحكومة ، والاستمرار في المسار البيولوجي الطبيعي في سد الاحتياجات من الأكل والشرب و الحصول على منزل و الزواج وانجاب اطفال يحصلون على ذات دورة الحياة ..كل هذا كان جوابا مثاليا للكثيرين فيما مضى ، لكن الأمر لم يعد كذلك اليوم فالوظائف الحكومية قليلة مقارنة بالسابق ، و المرتب الحكومي لا يكاد يسد احتياجات شخص أعزب فكيف سيستطيع الادخار منه ، ثم إنه وسط أزمة السيولة الحادة سيعاني الكثير للحصول على مرتبه ، والوظيفة الحكومية لم تعد جذابة كما كانت في الماضي ، الماضي الذي كان فيه الحصول على وظيفة يعني استقرارا وفرصة للحصول على سلفة على الحساب وسيارة من البنك لكن الأمر لم يعد كذلك فإلى أين المفر؟

بالنسبة لآخرين فإن الحصول على وظيفة حكومية يعني التوقف عن التطور أو أخذ مرتب دون عمل عدا عن المشاكل المالية التي ذكرناها من قبل ، ووسط غياب ثقافة ريادة الأعمال و مشاكل الحرب وضعف الاقتصاد و غياب الشركات الاجنبية ، يغرق الكثيرون في الاسئلة وتزول جاذبية الصفة من “خريج” لتصبح “عاطلا عن العمل ” وقد تدفع الأسئلة الكثيرين لاختيار مسار الانضمام للمليشيات والمجموعات المسلحة ، ليجد فيهم أمراء الحرب مغنما ومكسبا ، ثم بعد مدة النعوة على جدران البيوت ، وقليل هم الناجون من مرحلة ما بعد التخرج .

التدوينة ما بعد الجامعة …إلى أين المفر ؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ما بعد الجامعة …إلى أين المفر ؟”

إرسال تعليق