طرابلس اليوم

الجمعة، 21 سبتمبر 2018

ليبيا: البلد الذي تحكمه الميليشيات المسلحة

,

صحيفة الموندو الإسبانية

الكاتبة: روسا منسيس

منذ قرابة أسبوع، وصلت أربع سفن محملة بشحنات من الدقيق إلى ميناء طرابلس بهدف مساعدة الشعب الليبي في خضم الأزمات التي تمر بها البلاد. وقد أضحى الدقيق سلاحاً لا غنى عنه لمحاربة ما يطلق عليه الليبيون “أزمة الخبز”، حيث ارتفع سعر الرغيف إلى نصف دينار، ثم وصل ثمنه إلى دينار كامل هذا الأسبوع، في حين أن المواطن الليبي كان يشتري أربعين رغيفاً مقابل دينار واحد خلال فترة حكم القذافي.

يعزى السبب الرئيسي في زيادة سعر رغيف الخبز وبعض السلع الأخرى إلى فشل منظومة الاستيراد من الخارج، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى ازدهار السوق السوداء. ومنذ فترة، تهرب المليشيات المسلحة المنتجات المستوردة القادمة إلى ليبيا في شكل معونات على غرار الدقيق، إلى كل من تونس ومالطا، وتحصد أرباحاً طائلة نظرا لسهولة حصولها على الدولار، بفضل الرقابة التي تمارسها على المؤسسات المصرفية والائتمانية في طرابلس.

لقد عاشت ليبيا على وقع أزمة سيولة حادة ونقص في الأموال اللازمة لاستيراد المنتجات الأساسية للمواطنين، بسبب ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي في السوق السوداء. نتيجة لذلك، اضطرت المخابز إلى الترفيع في سعر الرغيف لعدم تمكنها من الحصول على الدقيق المدعم. وفي ظل تفاقم أزمة الخبز في ليبيا، صرح أحد الخبّازين من مدينة بنغازي يدعى علي خالد لوكالة “رويترز” للأنباء بأنه “يجب علينا الآن أن نشتري الخبز من السوق السوداء”.

إن أزمة الخبز في ليبيا هي مجرد لمحة بسيطة عن تداعيات سيطرة مجموعة من المليشيات على كافة الموارد المالية للبلاد، ويمكن القول إن المليشيات تمثل الدولة. وقد أفسحت الثورة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي سنة 2011 المجال أمام تشكيل حكومة انتقالية، ولكن سرعان ما نشبت نزاعات بين الفصائل المسلحة التي حاربت الديكتاتورية، حيث أراد كل فصيل منهم خدمة مصالح سياسية خاصة.

خلال سنة 2014، احتدم الصراع بين الأطراف السياسية في ليبيا، الأمر الذي جعل هذا البلد منقسماً بين حكومتين تتقاتلان من أجل الاستيلاء على زمام السلطة. وتتخذ الحكومة الأولى من طرابلس مقراً لها، بينما تتمركز الحكومة الثانية في طبرق، شرق البلاد. وبعد مرور سنة، تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بدعم من منظمة الأمم المتحدة. وبعد عدة أشهر من توليها سدة الحكم، أكدت هذه الحكومة بمساعدة المليشيات المسلحة أنها تمثل السلطة التنفيذية الوحيدة في البلاد، لكنها لم تستطع السيطرة على المنطقة الشرقية من البلاد التي تخضع لسيطرة “المشير القوي” خليفة حفتر رفقة جيش التحرير الوطني الخاص به.

في نهاية شهر آب/ أغسطس الماضي، أدى اندلاع مواجهات جديدة بين المليشيات المسلحة في طرابلس إلى عودة البلاد إلى الفوضى بعد مرور سنة كاملة من الهدوء. وقد محت هذه الموجة الأخيرة من العنف سراب الاستقرار الذي تشكل حول حكومة الوفاق الوطني برئاسة رئيس الوزراء فايز السراج، والمدعومة من المجتمع الدولي.

تعيش حكومة الوفاق الوطني مرحلة هشة للغاية، خاصة بعد المعارك التي دارت بين أربع مليشيات تتقاسم فيما بينها السيطرة على العاصمة طرابلس. وخلال الأسبوع الماضي، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار ولكن يبدو أن الوضع مازال معقدا خاصة بعد الهجوم المسلح الذي جد يوم الأربعاء على مطار معيتيقة الدولي، المطار الوحيد الذي مازال يعمل في البلاد.

شرح المحلل الليبي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق المجريسي أسباب اندلاع العنف قائلا: “لقد استند اللواء السابع القادم من مدينة ترهونة إلى العاصمة على رواية ضرورة عزل المليشيات المسلحة التي تسيطر على طرابلس والحد من الفساد الذي تفشى بشكل كبير في كامل القطاعات”. كما أكد طارق المجريسي أن “هذه الرواية أثارت سخطا شعبيا في ظل الثروات الهائلة التي تملكها القيادات العسكرية وبعض النخب الأخرى، في حين يتخبط المواطنون في أزمة حادة”. وتسعى هذه القيادات العسكرية إلى بسط نفوذها في العاصمة لتصبح سندا لحكومة الوفاق الوطني وذلك من خلال توفير الخدمات الأمنية. وبهذه الطريقة، ستتمكن هذه القيادات من ممارسة مختلف أشكال الفساد وخاصة الاحتيال المالي بطريقة مماثلة للمليشيات المسلحة”.

الكتائب وغنيمة حكومة الوفاق الوطني

يبدو أن حكومة الوفاق الوطني تحولت إلى غنيمة أو كعكة تسعى جميع المليشيات إلى نيل نصيبها منها. ومنذ وصولها إلى العاصمة طرابلس خلال شهر آذار/ مارس من سنة 2016، لم تنجح حكومة الوفاق الوطني سوى في تقوية بعض المليشيات المسلحة لتضمن لها الحماية، الأمر الذي أثار غضب فريق آخر من هذه المليشيات التي لم تنل نصيبها من النهب من الموارد الليبية.

وفي نهاية شهر آب/ أغسطس، خيم هذا الاستياء على المجموعات المسلحة التي قتلت 63 شخصا من بينهم مدنيون وعناصر تابعون للمليشيات، كما تم تشريد أكثر من ألفي عائلة. وقد أثر هذا الوضع على الصورة التي رسمتها فرنسا لليبيا كبلد ينعم بالاستقرار وقادر على تنظيم الانتخابات في أواخر هذه السنة. فقد شن اللواء السابع، الذي كان مقره مدينة ترهونة التي تبعد مسافة 65 كيلومترا عن العاصمة طرابلس، هجوما على المليشيات المسلحة في طرابلس واتهمها “بالسيطرة على المؤسسات الإستراتيجية للدولة” و”منع توفير الخدمات للمواطنين” فضلا عن محاولة بسط نفوذها على مختلف الإدارات والبنوك وتشجيع السوق السوداء.

 

وفي حوار له مع صحيفة “الموندو” الإسبانية، أشار طارق المجريسي إلى أن “المواجهات بين المليشيات المسلحة عرّضت استمرارية حكومة الوفاق الوطني للخطر، على الرغم من أن هذا التهديد يتضاءل يوماً بعد يوم. وخلال الأيام الأولى من اندلاع أعمال العنف، حاول أعداء فايز السراج السياسيين استغلال الوضع لنقل حالة العنف إلى صفوف حكومته لكن ذلك لم يحدث”.

وأضاف المجريسي أن “السراج دعا المليشيات المتمركزة في مدينتي مصراتة والزنتان للحفاظ على السلام في هذه المناطق، واستقدام هذه القوى النافذة إلى العاصمة. ومع ذلك، تتوجه كافة أصابع الاتهام بتفشي الفساد وانتشار الفوضى في ليبيا نحو حكومة الوفاق الوطني وفايز السراج. ولذلك سترتكز أي عملية سياسية مستقبلية، سواء من خلال الانتخابات أو طاولة المفاوضات، على فكرة استبدال هذه الحكومة”.

قبل سنتين من الآن، دعمت منظمة الأمم المتحدة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بغية إرساء فترة جديدة مستقرة وهادئة. وتسعى هذه الحكومة إلى “شفاء” جروح ليبيا التي خلفتها الحرب، التي أدخلت البلاد في حالة من الفوضى منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي. والجدير بالذكر أن القذافي حكم ليبيا بيد من حديد لمدة أربعة عقود متتالية، وقد غادر ليبيا دون أن يترك أي أثر إيجابي له من مؤسسات حكومية فعّالة أو أحزاب سياسية ونخبة مثقفة.

“كارتل مليشيات طرابلس”

 

جاءت حكومة الوفاق الوطني للتخفيف من حدة الأزمة في ليبيا، وتوحيد صفوف المعارضين السابقين لحكم القذافي، ووضع حد لازدواجية الحكومات. وخلافا للمتوقع، أدى نشر المئات من الميليشيات في جميع أنحاء ليبيا، ومنحهم حرية التجول في البلاد تحت لواء الجيش الوطني، إلى صعود عدد من الجماعات المسلحة. كما سعت حكومة الوفاق الوطني إلى الاحتماء بأمراء الحرب في ليبيا، لأنها لا تملك أي قوة خاصة لحمايتها. وقد اكتسبت هذه الكتائب الموحدة، التي تعرف باسم “كارتل طرابلس”، تأثيراً غير مسبوقٍ على المؤسسات التي يمولها المجتمع الدولي.

وفي الوقت الحاضر، تسيطر أربع مجموعات مسلحة على العاصمة الليبية يطلق عليها “كارتل مليشيات طرابلس”، تضم كلا من كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري، وكتيبة النواصي بقيادة عائلة قدور التي تتمركز في حي سوق الجمعة ولعبت دوراً بارزاً في الثورة على معمر القذافي.، بالإضافة إلى قوة الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة التي تسيطر على مطار معيتيقة الدولي، المطار الوحيد الذي ما زال يعمل في طرابلس، ووحدة “أبو سليم” بقيادة عبد الغني الككلي التابعة لجهاز الأمن المركزي والممولة من قبل الاتحاد الأوروبي.

لقد دعمت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا التحالف إثر تحسن نسبي في الوضع الأمني، الذي يضمن بدوره استمرار عمل حكومة الوفاق الوطني. ومع ذلك، فإن فكرة تقديم هذا التحالف في صورة جيش موحد قد تمثل تهديدا لخطط الأمم المتحدة في العاصمة. فعلى الرغم من أن هذه المليشيات تعمل ظاهرياً تحت مظلة حكومة الوفاق الوطني، إلا أنها تتحرك بشكل مستقل ويمكن أن تنتهي العلاقات بينها بين ليلة وضحاها.

في الواقع، أثبتت المواجهات التي دارت الأسبوع الماضي بين المليشيات أن هناك خطراً محدقا لا يمكن إنكاره، يؤكد استمرار أحلك الفترات في تاريخ ليبيا. وقد تحول “كارتل مليشيات طرابلس” إلى عصابات مافيا تستخدم القوة لاحتكار السلطة السياسية والاقتصادية، بفضل الامتيازات التي منحتها لهم حكومة الوفاق الوطني. ويعتمد “كارتل مليشيات طرابلس” على المؤسسات الحكومية لدفع رواتب جنوده وتكاليف عملياته، باعتبارها جزءاً من أمن الدولة، الذي تنتمي إليه الميليشيات الأخرى أيضا.

وخلال السنوات الأخيرة، انخفض تمويل المؤسسات لهذه الجماعات الأمر الذي أجبرها على أن تبتكر أساليب جديدة للحصول على التمويل اللازم. وقد تزامن ارتفاع معدل حالات الخطف مع انخفاض ميزانية الدولة بين سنتي 2015 و2016. وقد عمل أمراء الحرب في طرابلس على فرض ضرائب باهظة على الشركات، وكانت هذه الضرائب تستهدف البنوك على وجه التحديد. كما حصلت هذه المليشيات على امتياز الوصول إلى العملة الصعبة والبطاقات وخطابات الاعتماد مقابل توفير الحماية.

الانتخابات القادمة والتنافس الفرنسي الإيطالي

 

استفاد أمراء الحرب من تفاقم الأزمات في ليبيا، على غرار ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت 30 بالمائة، ونقص السيولة، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة السوق السوداء التي تقودها الميليشيات نفسها، ما أدى إلى اندلاع أزمة اقتصادية خانقة. ومنذ بداية سنة 2016، أضحت صفوف المواطنين الطويلة المصطفة أمام البنوك جزءاً من المشهد الليبي. وقد كرّست هذه المليشيات جهودها لتوسيع نفوذها. فعلى سبيل المثال، بسطت قوة الردع الخاصة نفوذها على وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة الوفاق الوطني.

وتعليقاً على هذه المسألة، أورد ولفرام لاشر، كبير الباحثين في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، في تقرير نشره في شهر نيسان / أبريل الماضي، أنه “وفقاً للسياسيين والقادة المسلحين والبيروقراطيين في طرابلس، أصبحت حكومة الوفاق الوطني مجرد واجهة تقف وراءها الجماعات المسلحة ومصالحها”.

وفي خضم هذا السيناريو المتصاعد، مازال احتمال إجراء انتخابات وطنية بتاريخ العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر القادم، بموجب الاتفاق المبرم بين فرنسا وفايز السراج وخليفة حفتر، موضع شك. فمن جهته، صرح فايز السراج يوم الأربعاء الماضي بأنه لا يوجد أي ضمانات في الوقت الحالي لإجراء هذه الانتخابات، مشيراً إلى إمكانية عدم التصويت في ظل غياب الأمن في الشوارع.

في المقابل، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس الماضي أن الانتخابات الليبية يجب أن تُعقد في موعدها. وقد أثار هذا التصريح استياء الجانب الإيطالي، المستعمر السابق لليبيا، لأنه يرى أن الظروف لا تسمح مطلقاً بتنظيم انتخابات. وعموماً، قدمت هذه التصريحات دليلاً قاطعاً على التنافس الفرنسي الإيطالي على ليبيا.

التدوينة ليبيا: البلد الذي تحكمه الميليشيات المسلحة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ليبيا: البلد الذي تحكمه الميليشيات المسلحة”

إرسال تعليق