طرابلس اليوم

الاثنين، 24 سبتمبر 2018

كيف يؤدي الخلاف بين إيطاليا وفرنسا إلى تقويض مجهودات التصدي لتنظيم الدولة داخل ليبيا؟

,

إذاعة صوت أمريكا

الكاتب: إبراهيم أحمد

 

خلال فترة ما بعد القذافي، لطالما اختلفت كل من فرنسا وإيطاليا حول الطريقة التي يجب اعتمادها لإحداث تغييرات داخل ليبيا. في المقابل، أصبحت هذه الخلافات علنية خلال الأشهر الأخيرة، مما أثار مخاوف بعض المحللين الذين اعتبروا أن التوتر المستمر بين الجانبين من شأنه أن يقوّض المهمة الرئيسية المتمثلة في محاربة المقاتلين التابعين لتنظيم الدولة في البلاد.

وفقا لتقارير نشرتها وسائل إعلام محلية، برز تنظيم الدولة، الذي تم إضعافه للغاية وحرمانه من معقله الرئيسي في سرت خلال سنة 2016 بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية، من جديد في أجزاء مختلفة من البلاد. وفي هذا السياق، تحدث المحلل مصطفى الفيتوري، المقيم في طرابلس، لإذاعة صوت أمريكا قائلا: “أعتقد أن النزاع الفرنسي الإيطالي سيواصل تأجيج الخلاف بين أطياف الشعب الليبي ما سيفتح المجال أمام الجماعات الإرهابية، على غرار تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة والجماعات المحلية وغيرها من المتطرفين المتواجدين في ليبيا، بمزاولة نشاطها من جديد”.

وأضاف الفيتوري قائلا: “لقد بدا ذلك جليا خلال الهجمات التي استهدفت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، حيث كنت متواجدا بالصدفة في ذلك المكان قبل دقائق من وقوعها”.

هجوم انتحاري

تبنّى تنظيم الدولة في ليبيا الهجوم الانتحاري الذي استهدف خلال هذا الشهر المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، والذي أدى إلى مقتل اثنين من العاملين بالمؤسسة وإصابة العديد من الأشخاص الآخرين بجروح. علاوة على ذلك، تبنّى التنظيم الإرهابي الهجوم الذي جدّ في أيار/مايو والذي طال مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في طرابلس، ما أودى بحياة 12 شخصا وإصابة العديد من الأشخاص الآخرين بجروح.

في هذا الصدد، أفاد ديفيد جارتينشتاين روس، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أن التوترات المستمرة بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا من شأنها أن تقوض جهود أوروبا المتعلقة بمكافحة الإرهاب في ليبيا في هذا التوقيت الحرج.

وأضاف جارتينشتاين روس قائلا: “من المحتمل أن يؤدي هذا الخلاف الفرنسي-الإيطالي إلى تطبيق المزيد من السياسات الأوروبية المتضاربة والمتعلقة بمكافحة الإرهاب في ليبيا”. وتابع جارتينشتاين روس حديثه قائلا: “في الماضي، كانت هناك جبهة اتحاد أوروبي موحدة نسبيا حول ليبيا حتى في حال تذمر بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي بشكل غير معلن من الضغط الذي تمثله هذه السياسات”.

من جانبه، صرح كريم ميزران، كبير الباحثين في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلي الأطلنطي، أن الخلافات بين فرنسا وإيطاليا، الدولتين العضوتين في حلف الناتو، كانت جوهر تدخل حلف الناتو في ليبيا سنة 2011، مما أدى إلى إنشاء منطقة حظر طيران وإقصاء القذافي نهائياً من السلطة. وأضاف ميزران قائلا: “هناك اعتقاد قوي وسائد داخل إيطاليا يفيد بأن فرنسا سرقت ليبيا من إيطاليا. كما أن فرنسا قررت على وجه السرعة قصف القذافي وجر الجميع معها لفعل ذلك وهو ما اعتبره الإيطاليون بمثابة صفعة على الوجه”.

النقد العلني

خلال الأشهر الأخيرة، وصل النزاع الذي نشب بين كلتا الدولتان إلى وسائل الإعلام، حيث انتقدت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، فرنسا علانية بسبب نشاطها في ليبيا. وفي وقت سابق، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ترنتا قولها: “من الواضح أنه لا يمكن إنكار أن هذا البلد [ليبيا] وجد نفسه في هذا الوضع نظرا لأن إحدى الأطراف وضعت، سنة 2011، مصالحها الخاصة قبل مصالح كل من الشعب الليبي وأوروبا”.

ويبدو أن وزيرة الدفاع كانت تشير إلى الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، الذي حشد الدول الأخرى الأعضاء في حلف الناتو من أجل التدخل في ليبيا. وعموما، لم ترد فرنسا رسمياً على تصريحات ترينتا. في المقابل، انتقدت البلاد إيطاليا بسبب النهج الذي تعتمده في ليبيا. وفي شهر مايو/أيار، تجاهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إيطاليا عندما وجّه دعوة إلى الفصائل الليبية لزيارة باريس، حيث وافقوا هناك على الاقتراح المقدّم من الجانب الفرنسي الذي يدعو إلى إجراء انتخابات في كانون الأول/ديسمبر، وهو اقتراح تعارضه إيطاليا مشيرة إلى أن الوقت ليس مناسبا لإجراء انتخابات في البلاد.

لطالما كانت الخلافات المتعلقة بما يجب القيام به في ليبيا بمثابة مشكلة متواصلة بين فرنسا وإيطاليا. ومباشرة بعد تولي ماكرون مقاليد الحكم خلال سنة 2017، تحدث مسؤول فرنسي رفيع المستوى لوكالة رويترز للأنباء، عن شعوره بالإحباط من العمليات التي تقوم بها الدبلوماسية الإيطالية في ليبيا، واتهم إيطاليا بارتكابها خطأ حينما قررت دعم إحدى الميليشيات المتواجدة في مصراتة.

وفي هذا الشأن، قال المسؤول: “لا يمكننا مخاطبة الإيطاليين نظرا لأنهم يعتبرون أن هذه المسألة شأن خاص. لكننا سنكون بحاجة إلى إشراكهم على الرغم من أنهم لن يحبّذوا ذلك”. وتجدر الإشارة إلى أن وزارتيْ خارجية كل من إيطاليا وفرنسا رفضتا الإدلاء بأي تعليق لإذاعة صوت أمريكا.

مجال النفوذ

يعتقد بعض المحللين أن جوهر الخلاف بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا يكمن في مصالح إيطاليا الجيوسياسية، باعتبار أن ليبيا كانت في يوم من الأيام مستعمرة إيطالية، بالتالي تعتبر إيطاليا أن هذه المنطقة تعد ضمن مجال نفوذها. وفي هذا السياق، أفاد ماثيو باي، كبير المحللين في خلية التفكير ستراتفور، التي تتخذ من تكساس مقرا لها، أن الجزء الذي يثير قلق إيطاليا في هذه المرحلة هو الخطوة التي قامت بها فرنسا بهدف ممارسة نفوذها فيما بتعلق بالوضع الليبي دون موافقة إيطاليا. وأضاف باي قائلا: “عندما عقد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مؤتمرا في ليبيا في أيار/مايو، لم تكن إيطاليا راضية على تجاهل فرنسا لها وإقصائها من تلك المحادثات وعلى عدم استشارتها بالقدر الذي تعتبره كافيا”.

الانتخابات

يعد توقيت إجراء الانتخابات في ليبيا، من بين النقاط التي اختلف حولها حلفاء الناتو. وخلال الأسبوع الماضي، صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أغنيس فون دير مول، للصحفيين أن فرنسا تدعم الجهود الرامية إلى إجراء انتخابات خلال هذه السنة. وأشارت فون دير مول إلى أن كلا من “فرنسا وحلفاءها سيواصلون دعم الجهود التي تبذلها السلطات الليبية من أجل ضمان استمرار العملية السياسية وتحديدا من أجل ضمان الظروف الملائمة لإجراء انتخابات بحلول نهاية السنة”.

في الأثناء، ترفض إيطاليا الموعد النهائي للانتخابات المزمع إجراؤها في العاشر من كانون الأول/ديسمبر في ليبيا، وتخطط لتنظيم مؤتمر تتناول فيه قضايا البلاد. ومن جانبه، تحدث رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، للصحفيين بعد لقائه بالرئيس الأمريكي خلال زيارته للبيت الأبيض في أيار/مايو قائلا: “بالاتفاق مع الرئيس الأمريكي (دونالد) ترامب، سأقوم بتنظيم مؤتمر حول ليبيا”. في الواقع، بذل كونتي جهدا حتى يبيّن دعم ترامب لهذه الخطوة على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تدل بعد بأي تصريح رسمي حول هذه المسألة.

بالإضافة إلى ذلك، اقترح بعض المحللين أنه لدى كل من إيطاليا وفرنسا مصالح متضاربة في ليبيا، خاصة مع تركيز إيطاليا أكثر على منع تدفق المهاجرين من ليبيا مقابل اهتمام فرنسا أكثر بمسألة مكافحة الإرهاب. وفي هذا السياق، صرح المحلل الفيتوري، المقيم في طرابلس، قائلا: “بدلا من أن تتحد الفصائل الليبية برمّتها وراء فكرة مكافحة الإرهاب، سنرى نوعا من المصالح المتضاربة التي لا تتعلق بحقيقة مكافحة الإرهاب وإنما بكيفية مكافحته”.

التدوينة كيف يؤدي الخلاف بين إيطاليا وفرنسا إلى تقويض مجهودات التصدي لتنظيم الدولة داخل ليبيا؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “كيف يؤدي الخلاف بين إيطاليا وفرنسا إلى تقويض مجهودات التصدي لتنظيم الدولة داخل ليبيا؟”

إرسال تعليق