طرابلس اليوم

السبت، 29 سبتمبر 2018

إلغاء الفوائد المصرفية وأزمة السيولة النقدية

,

صقر الجيباني/ محلل اقتصادي ليبي

 

يقول البعض بين مُصرّح ومُلمّح إن القانون رقم (1) لسنة 2013 الصادر عن المؤتمر الوطني العام سابقاً والقاضي بوقف التعامل بسعر الفائدة في المعاملات المصرفية ( رِبا المصارف) هوالسبب الجوهري في تفاقم أزمة السيولة النقدية بالمصارف التجارية ،وبالتالي فإن إلغاء هذا القانون لترجيح المصلحة الاقتصادية القومية في هذا التوقيت وما تمليه وتلح عليه الضرورة الإجتماعية لحالة البلاد الراهنة سيحل أزمة السيولة بالمصارف التجارية أوسيخفف من حدتها على أقل تقدير ؟ فما مدى صحة هذا القول ؟

 

بدون أن نخوض في النصوص الشرعية حول قضية الفائدة بشكل خاص ،وفوائد المصارف بشكل عام التي دار حولها جدل واسع وطويل سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل المهم فيما يتعلق بحالة الاقتصاد الليبي فقط من خلال إبراز العديد من الحجج الاقتصادية التي تدحض هذا الكلام وتفنّده وتبين أن سعر الفائدة في الاقتصاد الليبي كان ومازال ذودور هامشي في إدارة السياسية الاقتصادية بشكل عام والنقدية منها بشكل خاص .

 

فسعر الفائدة كأداة رئيسية من أدوات السياسة النقدية التقليدية لا يمثل أداة فعالة في إدارة السياسة النقدية في الاقتصاد الليبي الريعي بإمتياز من حيث تشجيع وتعبئة المدخرات وتوجيهها نحوالإستثمارات ، فالإدخار كمحدد رئيس للإستثمار لا تحدده أسعار الفائدة كما تقول النظرية الكلاسيكية بحيث يرتفع بإرتفاع سعر الفائدة المصرفية وينخفض بإنخفاضها بل هومرتبط وبحسب حالة ليبيا بالدخل طبقاً للنظرية الكينزية وكما هومعروف فإن أغلب الدخول (النقدية ) ظلت منخفضة لفترة طويلة من الزمن كما أن نقص الوعي الإدخاري لدى الأفراد وهيمنة الإستهلاك الترفي بالمجتمع هوالغالب على السلوك الاقتصادي في ليبيا وعليه لم يكن لسعر الفائدة في الاقتصاد الليبي دور مهم في تعبئة مدخرات المجتمع .

 

كما أن الغالبية العظمى من أفراد المجتمع الليبي المسلم تتوجسهم الريبة ولا ينظرون بإرتياح للأرباح الناجمة عن الفوائد المصرفية والدليل نجده في بيانات مصرف ليبيا المركزي حيث تشير تلك البيانات إلى أن هناك فجوة كبيرة بين نسبة الودائع الجارية (تحت الطلب) التي لا تعطي عليها المصارف فوائد مقارنة بنسبة الودائع الزمنية (لأجل وادخار) والتي تمنح عليها المصارف فوائد .

 

أيضاً فإن توقف سوق الأوراق المالية الليبي عن العمل منذ سنوات سيجعل من هذه الأداة غير ذات جدوى من خلال انعدام استخدام عمليات السوق المفتوح وبيع وشراء الأوراق المالية والتجارية ، يضاف إلى ما سبق أن إكتناز المبالغ النقدية بخزائن البيوت بديلاً عن الإدخار بحسابات المصارف هي الثقافة السائدة في المجتمع الليبي منذ عقود خلت وزادت هذه الثقافة ترسخاً بعد انعدام الأمن وحالة اللايقين والمخاطرة التي سادت الاقتصاد الليبي حيث التفضيل النقدي هوالسائد لدى الأفراد وزادها غياب الثقة بين الجمهور والمصارف وبالتالي لابد من إعادة الثقة أولاً إلى جمهور المصارف قبل الحديث عن استخدام أي أداة نقدية كسعر الفائدة .

 

أما الحديث عن مشكلة التضخم وما سبّبتهُ من تكاليف اجتماعية وإضرار بالطبقة الوسطى لا ننكر أن أغلب الاقتصادات عندما تواجهها هذه المشكلة تلجأ إلى رفع سعر الفائدة بالمصارف لتقليص المعروض النقدي كبحاً لجماح التضخم من خلال سحب كمية من النقد المحلي في التداول إيماناً بقول ” النقوديين ” أن التضخم دائماً ظاهرة نقدية ( نقود كثيرة تطارد سلع قليلة )،وأيضاً لتهدئة المضاربات على العملة بالسوق السوداء وبالتالي فاستخدام سعر الفائدة سيحد من التضخم ويجلب النقد السائل إلى المصارف وهذا سيُسهم في علاج أزمة السيولة أويخفف من حدّتها على الأقل ولكن في حالة الاقتصاد الليبي فإن التضخم بدأ بالزحف على الاقتصاد من خلال الزيادة المفرطة في الإنفاق العام والقصور الشديد في الضرائب خلال ميزانيات الحكومات المتعاقبة وعزّز هذا التضخم الإنقسام المصرفي وطبع العملة في كل من بريطانيا من قبل مركزي طرابلس وروسيا من قبل مركزي البيضاء وضخها في التداول وبالتالي ترشيد النفقات العامة وزيادة الحصيلة الضريبية من المنبع على ذوي الدخول المرتفعة للجهات التشريعية والحكومية والهيئات التابعة لها وشركات ومؤسسات القطاع العام والتي تتقاضى رواتب تنتفي فيها العدالة بشكل فجّ في توزيع الدخل اضافة إلى إعادة النظر في نفقات الباب الثاني هذا بدلاً من فرض ضريبة جماعية عن طريق بيع العملة الأجنبية برسوم قدرها 183% لإطفاء الدين الحكومي المسؤول عن حجمه الهائل وتراكمه عبر السنين الحكومات المتعاقبة على السلطة بهدرها للمال العام وانفاقها غير الرشيد .

 

يكون ذلك جنباً إلى جنب مع زيادة الوعي المصرفي للأفراد وتحديث البينة التحتية للجهاز المصرفي بإحلال الدفع الإلكتروني بديلاً عن الدفع النقدي بعد سحب بعض من فئات النقد في التداول سيُسهم بشكل فعال في إعادة الثقة بين العميل والمصرف ويخفف من وطأة أزمة السيولة بالتدريج وصولاً إلى علاجها بالكامل.

التدوينة إلغاء الفوائد المصرفية وأزمة السيولة النقدية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “إلغاء الفوائد المصرفية وأزمة السيولة النقدية”

إرسال تعليق