طرابلس اليوم

السبت، 29 سبتمبر 2018

ما بعد اشتباكات طرابلس.. إلى أين؟

,

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

 

أظهرت الاشتباكات الأخيرة في طرابلس مدى رفض الشارع للاقتتال والحرب، واقتناع الناس أن العمل العسكري لا يمكن أن ينتج حلاًّ، كما أن هذه الاشتباكات أبانت عن عجز الأجسام السياسية خاصةً المجلس الرئاسي، ومدى تنفّذ المليشيات وسيطرتها على مؤسسات الدولة، كما أن هذه الاشتباكات وفّرت فرصة ذهبية للبعثة الأممية ورئيسها غسان سلامة ليلعب دوراً مهماً وفاعلاً في المشهد الليبي بعد تراجع كاد أن يختفي فيه.

 

فسلامة لم يكتفِ بجمع الأطراف المتقاتلة في طرابلس على طاولة الحوار ونجاحه في توقيعها على اتفاق وقف إطلاق النار، بل استغلّ المناسبة لتفعيل إجراء الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية في ظل عجز الرئاسي عن تقديم شيء، والذي لم يكن أمامه إلا الاستجابة لضغوطات سلامة بعد أن خفت سطوة مليشيات طرابلس عنه.

 

المجتمع الدولي رغم اختلافه حول حل الأزمة في ليبيا، وتباين مصالح الدول في آليات إنهاء الصراع فيها، إلا أنهم يتفقون على خطورة حدوث فراغ سياسي؛ لأنه يعنى الدخول في دائرة مفرغة من الصراع والاقتتال يصعب الخروج منها، وسلامة يدرك جيداً ذلك، واستثمر الدعم الدولي له في جهوده لإنهاء الاشتباكات في طرابلس ليشن هجماته على كل الأطراف المعرقلة للعملية السياسي والانتقال إلى مرحلة الاستقرار والديمومة، فلم تسلم الأجسام السياسية من نقد سلامة اللاذع وتلويحه للمعرقلين بالعقوبات، بل في بادرة جديدة منه أكّد أن العملية السياسية لن تبقى رهن الأجسام السياسية الموجودة، بل سيتمّ تجاوزها بمبادرات وحلول ابتكارية، سيتّجه لها بكل حماس.

 

الأحداث الحاصلة في طرابلس وتصريحات غسّان سلامة ومواقفه الجديّة والحازمة، والدعم الدولي له في مساعيه، وما جاء في تقرير الخبراء المقدّم للأمم المتحدة في 5 سبتمبر، وما تضمنه من فساد وانتهاكات وغياب تام لمؤسسات الدولة، كل هذا وضع الأجسام السياسية تحت ضغط كبير وأرغمهم على إنجاز ما كانوا يماطلون في إنجازه من استحقاقات، وكان آخرها هو تمرير مجلس النواب لقانون الاستفتاء وتحصينه بالتعديل الدستوري وتواصله مع المجلس الأعلى للدولة بخصوص تعديل المجلس الرئاسي لرئيس ونائبين.

 

ما تحقق على الصعيد السياسي بعد اشتباكات طرابلس مِن بدءٍ في الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية وما تلاه من إقرار لقانون الاستفتاء على الدستور رغم إيجابيّته للوهلة الأولى إلا إنه يثير حالة من الضبابية والارتباك في المشهد لعدّة اعتبارات من أهمها: أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة ضغوط وفي حالة عجز، وهي محاولة لامتصاص غضب الشارع وتخفيف الضغط الدولي، إضافةً إلى ذلك فإن قانون الاستفتاء الذي تمّ تمريره عُدّل بآلية صعبة جدّة ربما تجعل من عمليّة الاستفتاء معطّلة ابتداءً، وإذا ما تمّ رفض مشروع الدستور فإنه يرجع إلى مجلس النواب الذي لم ينتخب لهذا الغرض، كما أنّ طريقة تمرير قانون الاستفتاء والتعديل الدستوري بشأنه في محل طعن دستوري –بحسب قانونيين-.

 

أيضاً مما يربك المشهد الحالي رغم الإيجابية الظاهرة هو توجّه مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى تعديل هيكلية المجلس الرئاسي إلى رئيس ونائبين، ورغم كون هذا الإجراء قد يكون ضرورياً بتوحيد السلطة التنفيذية بين شرق وغرب ليبيا مما يسهل عملية إجراء الانتخابات، إلا إن عملية التعديل ستسهلك وقتاً طويلاً خاصة فيما يتعلّق بالتوافق على الأسماء المطروحة والتخوّف من تلكّؤ مجلس النواب في تضمينها في الإعلان الدستوري، كما أن هذا التعديل لو تمّ –رغم صعوبته- سيؤثر على عملية تنفيذ الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية وربما يؤدي إلى توقفها.

 

كذلك فإن الموقف الدولي من الملف الليبي لازال غير واضح، مع تمسك فرنسا بمخرجات باريس والتي من أهمها إجراء انتخابات نهاية العام، وهذا ما يدعو إليه حفتر، الذي تدعم وتساند حليفته مصر التوجه الإيطالي الأمريكي إلى تأجيل الانتخابات حتى تحقق الاستقرار الدستوري.

 

كل هذه العوامل والمؤشرات تجعل المشهد مربكاً وغير واضح المعالم، وربما ستبدأ ملامحه في التكشف بعد مؤتمر صقلية وإحاطة سلامة في نوفمبر القادم التي صرّح أنها ستتضمن تعديلات على خطته الأممية، وإلى ذلك الحين نأمل أن ينجز ما يمكن إنجازه من الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية التي ستحسن الوضع المعيشي والخدمي للمواطن وتبعد شبح الاقتتال عن العاصمة.      

التدوينة ما بعد اشتباكات طرابلس.. إلى أين؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ما بعد اشتباكات طرابلس.. إلى أين؟”

إرسال تعليق