طرابلس اليوم

الخميس، 27 سبتمبر 2018

الطائر المهاجر..

,

عندما كنت صغيرا كنت أبكي وأشعر بالغصة الشديدة كلما قرأت قصة طائر اللقلق المهاجر والتي كان رامي قد صادق زوجا منه ، وقضى رامي وقتا ماتعا معهما ؛ إلا أنه وفي آخر القصة وقبل موعد هجرته لقي رامي زوجي اللقلق المهاجر صباحا وقد علاهما البأس والحزن واستعدا للرحيل قبل موعده، وجعلا يقولان  أن الانسان لم يترك لهم مكانا ليعيشوا فيه انظر إلى الاشجار من حولك كيف قطَّعها وسواها حطبا وانظر إلى دخان المصانع تلفت رامي فرأى القرية والدخان يلوث سمآءها  فسآءه المنظر وبحشرجة صوته سأل طير اللقلق المهاجرهل ستعود يوما ؟ قال وهو يبتعد في الأفق ان عادت الحياة الخضرة عدنا لوح رامي بألم لطائر اللقلق وهو يشير بيده وداعا كان هذا المقطع يجعلني انفجر بالبكاء  لم أعرف يومها ان طائر اللقلق في زمني سيصير شابا مثلي وفي عمري تماما  تضيق به دنياه وتمنعه الضروف من كل شيئ وتسوء أحواله ليركب أمواج البحر العاتية قبل موعد التأشيرة تاركا أمه من ورائه توصي له بأن يتركوا حصته من العشاء ليواجه وحده حرارة الشمس وصعوبة الرحلة باحثاً عن مكان جديد وموطن آخر يجد فيه الأمان والعمل والعيش الكريم لم أكن يوما ابكي إلا لان رامي قد تأثر بعد أن فقد زوجا اللقلق العزيزين عليه،  فكيف يفعل قلبي وعيني معا عندما سينظرا لمهاجر من بني جنسي يترك قمرين في ارضه ليخرج مبتعدا تاركا كل شيئ وراءه محاولا ان يجد لنفسه حلا أخيرا خلف البحار في خطر الموت غرقا بعيدا عن وطنه  ، حقيقة لم يسعفني الوقت لأرى ماذا كتب الكاتب عن رامي وهل أصبح مصلحا في بلدته من اجل ان يعود له صديقه اللقلق من جديد لكني عرفت انه حتى وان استطاع ايقاف زحف الحضارة على قريته اللطيفه لن يعود اللقلق من جديد لانه لم يعد يرغب في قرية وقد وقعت عينه عن عالم مختلف من الاشياء الجميلة ورببما علم اللقلق ان الوقت الذي سيضيعه من اجل رؤية رامي الاولى به ان يعيشه في تلال خضراء وبيئة جميلة هكذا يفلسف اللقلق الحياة ويتمنى رامي ان يعود الماضي كما كان ؛ لكن الاشياء عندما يمضي بها الدهر بعيدا غالبا ما يكون ضرب من الخيال رجوعها واقعا الا في حكايات جدي او ما شابه ذلك .

 

لقد تابعت بصمت قصص من هاجروا بعيدا محاولا مطابقة أثر اللقلق الذي من طبعه الهجرة والتنقل فلم اجد تشابها عميقا  منسجما إلا في قرار الرحلة نفسه،  ولما قربت عيني من عدسة المنضار قليلا وجت أكثر المهاجرين يشعرون بالقلق الشديد ويمرون بواقع اليموهذا سمير أحد أولئك الشباب الذين ركب البحر في ليلة مظلمة وحالكة وانتظر فوق القارب ما يقرب من أربعة ايام وثمان ساعات قبل الوصول واصابته بالجوع ودوار البحر واختلطت رائحته بالمهاجرين التعساء وخاض ساعات معهم بين شكوى وأمل  لحياة أفضل الا انهم اصطدموا بواقع أشد بأسا بعيشهم في الحواري الضيقة النائية تحت أعين العسس بالليل ويتنقل أحدهم بحذر شديد وكأنه المجرم المفلت من العقاب ومكثوا أياما على شواطئ إيطاليا لا يسمعون فيها إلا كلمات السخرية وعلامات الإشمئزاز لم يكن سمير من الموهوبين حتى يشق طريقه من وسط الوسخ في حواري اللئام الى قلب الحضارة النابض ولم تسعفه المدنية والجدران الدالة على العراقة والتاريخ في إيطاليا فقد ترك في وطنه كل مصدرمن شأنه بث القوة والانتماء في نفسه ليذهب وحده بلا جواز سفر بلا هوية بلا اي شيئ يذكر ربما سيعيش خاليا من كل شيئ وليس له معنى يدافع عنه ويسعى من أجله هذا اشبه بالتخلي عن ذاتك وانت تعرف ذاتك جيدا الا انه لا يمكن ان يتغير شيء بعد كل هذا يجول بخاطري سؤال رامي هل سيعود سمير يوما ام انه سينتظر حتى تعود المياه والخضرة معا من جديد .  

التدوينة الطائر المهاجر.. ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الطائر المهاجر..”

إرسال تعليق