طرابلس اليوم

الجمعة، 28 أبريل 2017

هل أصبح السلاح ضرورة للعيش في سبها؟

,

موقع مراسلون

تنتشر تجارة السلاح بشكل واضح في سبها والجنوب الليبي، كما تزدهر عمليات تهريب السلاح من وإلى ليبيا عبر الجنوب، فالحدود المفتوحة والتدفق المتواصل للهجرة غير النظامية وتكرار الحروب والمواجهات المسلحة على أساس عرقي أو إيديولوجي أو لتحقيق مكاسب سياسية، كل ماسبق يدفع باتجاه زيادة الطلب على شراء السلاح.

 

في سبها عاصمة الجنوب “يباع السلاح علناً في أحياء المنشية والمهدية والطيوري وحي عبدالكافي، وأصبح زبائنه أكثر بذخاً في الإنفاق” هذا ما يقوله ن. م. (32عاماً) وهو تاجر سلاح من سكان حي المنشية، وقد أوضح لـ”مراسلون” أن أغلب السلاح المتداول في السوق هو من الغنائم التي استحوذ عليها الناس من مخازن السلاح التي افتتحت قبيل سقوط النظام السابق.

 

مخزن وسط الزحام

 

كان ن. م. متشجعاً للحديث معنا وإدخالنا لمخزنه شرط ألا نكشف هويته، والمخزن عبارة عن مبنىً غير مكتمل يقع على طرف الطريق الدائري جنوب المدينة، في شارعٍ تجاري يعج بالحركة، حتى لم نكد نصدق أن وسط هذه الفوضى سنجد مكاناً يمتلئ بكميات مختلفة من الأسلحة.

 

يقول ن. م. وهو يتجول بنا في أرجاء المكان إن أغلب الأسلحة التي كانت موجودة في مخازن جبل بن عريف – وهي منطقة عسكرية تضم مخازن سلاح شمالي المدينة، قصفها تحالف الناتو في التاسع والعشرين من مارس 2011 – كان النظام السابق قد نقلها لمقر شركة هندية كانت تعمل في سبها، وبعد سقوط النظام تعرض المقر لعمليات سلب ونهب مما ساعد على انتشار السلاح بشكل واسع في المدينة.

 

وقد أقرّ محدثنا بأنه كان أحد الذين قصدوا المكان في فترة الفوضى وجمع ما يمكنه من السلاح، ولم تكن تلك الطريقة الوحيدة التي استحوذ بها الناس على السلاح حسب قوله، فقد قام النظام السابق بتوزيعه على الناس إبان الثورة، وكان هو يشتري الأسلحة ممن أرادوا الاستفادة من ثمنها بعد سقوط النظام، وهكذا جمع رأس مال تجارته التي أصبحت اليوم مزدهرة ومربحة.

 

ازدهار التجارة

 

كان معظم حديث تاجر السلاح عن ما ساهم في انتشار السلاح بشكل غير مسبوق في الجنوب، وساهم أيضاً في انخفاض أسعاره في فترة مبكرة من اندلاع الثورة الليبية، حيث كان سعر الكلاشينكوف يتراوح ما بين الـ150 إلى الـ200 دينار ليبي (بين 100 و 150 دولار أمريكي حسب سعر الصرف في تلك الفترة) للقطعة الواحدة.

 

أما السنوات التي تلت عام 2011 فيقول إنها كانت فترة ازدهار تجارة السلاح، خاصةً بعد وقوع أول حرب بين قبائل التبو وأولاد سليمان في مارس عام 2012، والتي ظهرت فيها حاجة الكثير للسلاح، وتطور الوضع مع تشكيل العديد من المجموعات المسلحة التي تحتاجه على الدوام لضمان سيطرتها، و لتواصل حروبها ضد خصومها بين الحين والآخر.

 

لم نصل من حديث ن. م. إلى معلومات عن المصادر الأخرى للسلاح، ولكن البحث أوصلنا إلى م. ع. وهو تاجر آخر في الخمسينات من عمره، ويتمتع بشعبية واضحة بين تجار السلاح ومهربيه، تحدث معنا بعد أن طلب منا عدم إظهار شخصيته هو أيضاً.

 

ارتفاع الأسعار

 

كان م. ع. مهنياً ومباشراً بشكل صادم، وزودنا بمقارنة بين أسعار السلاح في الـ2011 مع أسعاره في الـ2017، حيث أكد أن الكلاشينكوف التي كان سعرها لا يتعدى 200 دينار أصبح اليوم من 2500 إلى 3000 دينار “حسب جودة ونظافة القطعة”، أما القناصة التي كانت تباع بـ 4000 دينار صارت اليوم بعشرين ألف دينار، والرمانة (القنبلة اليدوية) التي كان سعرها لا يتجاوز 50 ديناراً صارت مع مطلع الـ2017 بـ 120 ديناراً.

 

وحسب ذات التاجر تعتبر الكلاشيكوف والبي كي تي أكثر الأنواع تداولاً، وتلقى رواجاً في سوق السلاح بالجنوب الليبي، فهي أكثر الأسلحة تماشياً مع حروب الشوارع التي تشهدها المدينة، كما إن عصابات السطو المسلح تفضل الكلاشينكوف كأداة سهلة في محاصرة أهدافها من المواطنين وأخذ سياراتهم بالقوة، “وتتحكم عدة عوامل في تحديد أسعار السلاح منها العرض والطلب، ونظافة السلاح، والخدمات المصاحبة له، كإيصاله لمكان معين، أو تسليمه في أوقات معينة” يقول م.ع.

 

وكالتاجر الذي سبقه لم يرغب في الإفصاح عن مصادر بضاعته، مكتفياً بالقول إنها من مخلفات مخازن نظام القذافي ورافضاً الإشارة لأي مصادر أخرى قد تكون خارج البلاد.

 

سلاح العصابات

 

في شارع 606 وأمام مبنى مكتب الخطوط الجوية الليبية تزدهر نوعية جديدة من تجارة السلاح بسبها، حيث يقوم شباب في مقتبل العمر ببيع البندقية التركية والصربية، وهي سلاح غير قاتل ولكنه مضر ويسبب جروحاً قد تؤدي لوفاة المصاب بها، يبلغ سعر القطعة الواحدة منها 500 دينار بعد أن كانت تباع بـ120 ديناراً اوائل عام 2013.

 

يقول أحمد بن صالح وهو شاب يبيع هذه الأنواع من السلاح، “إنها غير قاتلة وتستخدم عادة لصيد الحيوانات في الصحراء ولتخويف البشر في المدينة”.

 

ولأن أغلب الناس لا يجيدون التفريق بينها وبين السلاح العادي يُقبل على شرائها أفراد عصابات السطو المسلح، لأنها رخيصة الثمن وتؤدي الغرض في إخافة الضحية في الشارع أو في مكان عام.

 

الأسلحة المُهربة

 

طوال فترة بحث “مراسلون” عن مصادر السلاح لم نعثر على تاجر محلي يتحدث صراحةً عن السلاح المهرب من الخارج عبر الحدود، إما خوفاً من شيء ما أو التزاماً باتفاق داخلي بينهم أو ربما جهلاً بالمصدر، ولكن تاجراً إفريقياً وصلنا إليه أخيراً حيث يقطن في منطقة جنوب سبها ويأتي للمدينة بشكل دوري قبل الحديث عن الموضوع.

 

أتوري تروري – اسم مستعار يستخدمه الرجل للحديث مع الغرباء – وهو من النيجر، كان من أوائل مهربي السلاح من وإلى ليبيا، وأكد أن جنوب البلاد يعتبر سوقاً للسلاح أكثر منها مصدراً له، وباعتبار البلاد تشهد حروباً مستمرة “وأغلب المجموعات المسلحة تستعين بمرتزقة وترغب في تسليحهم” حسب قوله، فإنه يتعاقد في صفقات بيع السلاح مع “أطراف تدعمها دول مثل السودان وتركيا” بحسب قوله.

 

حسب التاجر النيجيري يتم شحن السلاح عبر طرق خاصة في الصحراء، فطرق مهربي السلاح تختلف تماماً عن طرق مهربي المهاجرين، وأغلب طرق مهربي السلاح لا تمر بالتجمعات السكانية الكبرى، بل تتخذ خطاً تتقاطع فيه قرى صغيرة سواءً في النيجر أوتشاد أو ليبيا.

 

ويؤكد أتوري إن شحناته من السلاح المهرب تكون مدفوعة الثمن قبل أن تتحرك من مكانها، وحين تصل يتم إخطار صاحبها باستلامها في جو من السرية.

 

لا وجود للدولة

 

ولم نتمكن من التحقق من معلومات أتوري من مصادر رسمية حيث لا تنشط أية جهات رسمية ترصد أو تتابع هذه النشاطات في الجنوب، فيما أحاديث الرجل شملت عمليات تهريب السلاح ونقل الأموال وتهريب حتى بعض الشخصيات التي احتاجت إلى الخروج من ليبيا في عدة فترات عبر الصحراء.

 

في سبها لاتوجد أجهزة معنية بمكافحة تهريب السلاح أو ضبط من يقومون على بيعه، فقد أصبحت الأمور منفلتة وتجاوزت قدرات الجهات المحلية، يقول عضو قسم التحقيق بمركز شرطة وسط المدينة حسين الحداد لـ”مراسلون”، إن السلاح صار موجوداً في كل بيت بالمدينة، وحتى المواطن العادي صار بحاجة إليه لحماية نفسه وسط عجز الأجهزة الأمنية عن توفير الحماية له، وأشار الحداد إلى محاولات سابقة كانت في منتصف الـ2012 بادرت بها الحكومات الليبية لشراء السلاح من الناس، ولكنها لم تدم طويلاً.

 

يعتقد الحداد أن انتشار السلاح وازدهار تجارته وتهريبه أمر طبيعي وانعكاس متوقع لفقدان الأمن وانتشار الهجرة غير النظامية وتعدد المجموعات المسلحة وتكرر الحروب فيما بينها، ويعتقد أن معالجة انتشار السلاح وتجارته يجب أن تمر بمراحل وخطط أمنية، كما تحتاج إلى تضافر الجهود اجتماعيا وإداريا، وهو أمر صعب التحقق في ظل الانقسام الذي تشهد البلاد حاليا.

 

مخازن الشركة الهندية اختفت اليوم وتحول المكان إلى مجمع سكني تقطنه أسر من ذوات الدخل المحدود، وفي جبل بن عريف صار المكان خراباً لاوجود فيه إلا لبعض الدشم المحترقة والألغام المتناثرة في أرجاء المكان، في حين انتقل السلاح ليخزن في أماكن جديدة وسط الأحياء السكنية، مشكلاً بذلك خطراً يداهم السكان والتجار والزبائن على حد سواء.

التدوينة هل أصبح السلاح ضرورة للعيش في سبها؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “هل أصبح السلاح ضرورة للعيش في سبها؟”

إرسال تعليق