طرابلس اليوم

الأحد، 30 أبريل 2017

الجامعات الليبية ودور تنمية المجتمع

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي
مما لا يخفى على أحد ونحن في ظل هذا الانفتاح الرهيب والتواصل  المفتوح  الذي يمور بالتأثر والتأثير المتبادل  أن زماننا أصبح كثير التعقيد و التحديات  ،  وأصبحت فيه الأفكار والمفاهيم والتصورات  تظهر علينا كالبضائع التي تسوق في المتاجر والمحلات  ،  مزدانة بالبهرجة والألوان غير عابئة بالمحتوى والمضمون ، وهذا لم يقتصر على الأفكار الأيدلوجية والغائية الكبرى التي تتعلق بنظرة الإنسان لنفسه وللكون أو الإله  فحسب ، إنما تعداه إلى كل مناحي الحياة  فها نحن نعيش تسويقاً مفزعاً لعالم الصحة والجمال والأدوية  و التي  تحاول أن  تجعل الإنسان طبيب نفسه  لغرض التكسب المادي  السريع ، مما يجعل من الضرورة والأهمية  أن تضطلع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية _ المجتمعية _ بدورها في حماية أفكار المجتمع ومفاهيمه .
ولعل أبرز هذه المؤسسات وأهمها لعدة اعتبارات هي المؤسسة التعليمية ( الجامعة )  فإنه مما لا يخفى على أحد دور الجامعات والتعليم العالي في خلق كوادر بشرية  تملك المعرفة والعلم للتدريب على العمل فـي المجالات والتخصصات المختلفة كافة ،   وتؤدي بذلك دوراً في تطوير المجتمع وتنمية  آفاقه المعرفية والثقافية  .

كما أنها الجامعات تقوم  بخلق كوادر منسجمة مع المجتمع  بتعليم  أبناء  هذا المجتمع  في ضوء ما يمتلكه من  إرث حضاري وثقافي وعلمي  ، تجعلهم يحترمون فلسفة المجتمع وعاداته ومبادئه وينسجمون معها ويستجيبون إلى إفرازات التطور العلمي والتكنولوجي في العالم ويتفاعلون مع حضارات الشعوب الأخرى ويستفيدون منها في ضوء حاجة المجتمع وتطلعاته .

هذا بشكل عام  ،  أما في المجتمعات التي تمر بظروف دقيقة  وحساسة مثل مجتمعنا  الليبي فإن الأمر يتطلب من التعليم العالي دوراً أكثر فاعلية ،  وأكثر حضوراً من الدور الإنطوائي الذي كان غالباً على مواقفهم.
فقد كان ينتظر من الجامعات  الليبية بعد 17 فبراير  دور بارز  في المراحل التي تمر بها البلاد  بداية من يوم بدء الثورة وصولاً إلى حالة الاقتتال الدامي التي وصلنا إليها ،  فقد غاب دور الجامعات الليبية  تماماً ، والدور الذي أقصده هو الدور المعرفي والعلمي والتكويني والبحثي الذي يساعدنا في الخروج من   الوضع الذي وصلنا إليه .
ولكن للأسف تحولت كثير من الجامعات إلى ساحات للاقتتال ودعم الاقتتال وغاب الدور الفعلي للجامعة  ، فالحريّ بنا بداية هو تحييدها عن الصراع والرجوع بها لدورها  الرئيس  و العمل  على إثارة وعي طلاب العلم والباحثين المتخصصين في مختلف المجالات بأهمية  دورهم العلمي ، في محاولة فهم المجتمع ورصد مشكلاته وتشخيصه ، وتصحيح مساره ، وأخذ دورهم التربوي  عبر مراكزهم  في تعزيز روح الانتماء ، والمساعدة على اكتشاف الذات والشعور بالمسؤولية وتخليص الأذهان من الأوهام .

كان ولا زال يُنتظر من الجامعات ومراكزهم البحثية تقارير ودراسات عن النازحين والتغير الديموغرافي في البلد !!
كان يُنتظر منهم دراسات وأبحاث عن المطلقات والأرامل والأيتام والتي ارتفعت نسبتهم بشكل مخيف !!
كان ينتظر منهم عمل دراسات بحثية عن حالات الفقر والانتحار والوضع الاجتماعي والنفسي !!
لازال  ينتظر منهم تلخيص وإبراز تجارب المصالحات الوطنية في العالم وبثّها في المجتمع !!
ولا عجب في ذلك ، فالبحث العلمي يعد إحدى أهم وظائف الجامعات الأساسية, فبدون بحث علمي تصبح الجامعة مجرد مدرسة تعليمية  لعلوم ومعارف ينتجها الآخرون، وليس مركزاً للإبداع العلمي وإنماء المعرفة ونشرها والسعي لتوظيفها كحل للمشكلات المختلفة التي يواجهها المجتمع .
إن نجاح الكليات والجامعات في تأدية أدوارها العلمية والبحثية والمجتمعية كفيل بنجاح رسالتنا في بناء المجتمع والارتقاء به إلى مستوى متطلبات القرن الحادي والعشرين  .

إن رسالة التعليم رسالة تكاملية  يتعاون الجميع في إنجاحها بعيد عن سطحية التفكير والبحث عن الزلات ،  حتى يتسنّى لنا  دعم روح التساؤل ، وتكوين النظرة العلمية ، وتكوين العقل المثقف، والتدريب على تقديم الحلول البديلة، وتحسين مستوى اتخاذ القرار  في  المجتمع .

فهل تستطيع الجامعات الليبية تحدي العقبات والظهور كمكون ثقافي تنظيمي علمي ينهض بالمجتمع ويرتقي به  ؟

التدوينة الجامعات الليبية ودور تنمية المجتمع ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الجامعات الليبية ودور تنمية المجتمع”

إرسال تعليق