طرابلس اليوم

الثلاثاء، 30 يناير 2018

نشوة الدولة الوطنية

,

عبد المجيد الويتي/ كاتب ليبي

إن مصطلح الدولة الوطنية ليس بالمصطلح الحديث ، فمفهوم الدولة الوطنية ظهر مع النهضة الغربية ونشوء الدول القطرية وريثة عهد الاقطاع في العصور الوسطى ، و بعد انهيار الخلافة العثمانية مطلع القرن المنصرم وتقسيم المنطقة العربية إلى دول حدودية فيما عرف باتفاقية سايكس- بيكو التي أفرزت مصطلحاً وواقعاً جديداً على الجغرافيا العربية والإسلامية عرف بالدول الوطنية أو الدول القطرية ، فضمت هذه الدول في حدودها شتى العرقيات والقوميات والأقليات والجهويات بل والثقافات المتنوعة في دول ضمت مساحات أكبر كليبيا والجزائر والسودان ، ودخلت هذه التكوينات في صراع مع الدولة المركزية لتبرز نفسها كمكونات رئيسية لها تأثير وتوجيه على أتباعها والتي أدت إلى طمسها في كثير من الأحيان واختيار التعايش في أحيان أخرى .

ولعل أكبر المتواجهين مع مفهوم وواقع الدولة الوطنية هو التيار القومي العروبي الذي نشط بعد الاتفاقية التي أدت إلى ظهور الدول الوطنية ، وبمواجهته وبدون قصد ( أو بقصد ربما ) قوى من موقف الدولة الوطنية والدعاية لها ، فلقد مثل الزواج الذي شهدته الأنظمة الاستبدادية الشمولية بالتيار القومي أكبر برهان على تمتين عرى الدولة القطرية ، فترك المستبدون للقوميين العرب مساحة من المرونة يبرزون فيها دعوتهم لإقامة الدولة القومية العربية الكبرى مقابل أن ينال الحكام في بلدانهم قسطاً كبيراً من هذه الدعاية وإبرازهم كقادة قوميين انفتاحيين يبغون الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج وإظهارهم كأبطال قوميين يواجهون عودة الاستعمار من جديد ، ومع هذه الدعاية ظهر هؤلاء القادة في الحقيقة كقادة للدولة الوطنية التي وبعد عديد الصدامات مع دول أخرى وطنية بعد فشل بعض المحاولات الوحدوية والتي أفشلتها النعرات الضيقة الخاصة برؤاهم انتقل هذا الشعور بالتفرد والخصوصية لشعوبهم فأصبحت هي الأخرى تستعمل المصطلحات الوطنية القطرية وإن ألبست بثوب فضفاض وهو العروبية .

ومن هنا بدأت تتأسس لدى الشارع العام فكرة الدولة الوطنية والتعصب لها والدخول في مواجهات مع أبناء الشعوب الأخرى ، فبرزت هوية أنا ليبي أنا تونسي أنا بحريني أنا يمني على سواها من الهويات ذي التوجه الأعم .

وبرزت العصبية للدولة الوطنية حدها برفض قاطع لكل الدعوات الأكبر كالقومية والإسلامية والتي لا تعترف بحدود التوجه فكان أكبر دعواتهم نجاحاً هو تأسيس كيانات جامعة تنظيمية لا أكثر كالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ، كما وجدت في الدولة الوطنية كيانات أقل حجماً وتأثيراً كالتيارات العرقية مثل الأمازيغية والكردية وغيرها التي لن تكون سعيدة بتولي التيار القومي العروبي مثلاً مقام الدولة وكأقليات دينية كالمسيحية التي تنادي بإقامة الدولة العلمانية .

ووصولاً إلى ثورات الربيع العربي وضمن الشعارات المرفوعة في وجه الأنظمة الاستبدادية يفط تصدرت اسم الدولة الوطنية لافتاتها مثل ( ليبيا وبس – و سورية سورية) في محاولة لاسترداد حقها من الأنظمة الشمولية محافظة على نشوة الوطن الليبي واليمني والسوري والتونسي والمصري فيما نظرت هذه الجماهير بعين الريبة لكل الشعارات الفضفاضة مثل ( نريدها إسلامية – والنظام الفيدرالي هو الحل وما إلى ذلك من شعارات التيارات السياسية ) ، فلقد ترسخ لدى الجماهير طيلة العقود الماضية وبسبب الدعاية للأنظمة القطرية من قبل القوميين مفهوم دولة عموم المواطنين ودولة الشعب ، فحتى تلك الدعوات والأزمات المختلقة بعد الربيع العربي واجهها الشارع العام مثلاً في ليبيا بقدر من السطحية وعدم التعمق إلا ما أراد لها بعض النخب أن يوجه بها الشارع العام وكلها تخص الحالة السياسية والأمنية ، ولكنهم – أي المواطنين –يقفون بحدية أمام دعوات التقسيم أو الحكم الذاتي فيما يرون أنه يمثل خطراً على دولتهم وانتمائهم الوطني لها .

وبنظرة سريعة على أهم التجارب الوحدوية في العالم في العصر الحديث المتأخر نجد أن مثال الاتحاد الأوروبي قد اصطدم بالدولة الوطنية والتعصب للجنسية فلم يستطع الاتحاد الأوربي المضي أكثر نحو وحدة مأمولة ، بل ان الاتحاد تراجع بسبب الحساسية المفرطة بين شعوب القارة العجوز حيث ترى كل جنسية أنها الأقدر والأفضل والأعرق وهذا ما جعل بريطانيا مثلاً تتكبر على الاتحاد المالي اليورو واحتفظت بالجنيه الاسترليني التاريخي عملة لها محافظة على وضع اقتصادي لا يجعلها رهينة دولة اقتصادية عملاقة ستتحكم لاحقاً في المال الأوربي كألمانيا وصولاً إلى ما أعلنته بريطانيا أخيراً عن انسحابها من الاتحاد برمته وهذا ما لم تخفه عديد الدول الأخرى .

إن التعصب للجنسية والدولة الوطنية الحدودية هو المسيطر في يومنا هذا على الشعور الانتمائي للمواطنين ولم تتمكن أي أثواب أخرى من الاستحواذ على ذوق الشعوب في اقتناء ثوب جديد ربما يكون أكثر اتساعاً فكرياً وجغرافياً ، فعلى كل التيارات الفكرية العابرة للحدود فكراً لا انتماءاً أن تعي هذه الحقيقة وتهتم بمفردات دولة الشعوب دولة المواطنين .

 

التدوينة نشوة الدولة الوطنية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “نشوة الدولة الوطنية”

إرسال تعليق