طرابلس اليوم

الخميس، 28 يونيو 2018

العاقل من اعتبر بغيره …

,

عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي

وجه لي محدثي سؤالا اعتبره هو جوهريا: كيف ترى الحل في ليبيا؟

فبادرته بالإجابة التي لم يتوقعها قائلا: لا أدري.

محدثي هذا شخص يعمل في مجال العقارات تعرفت عليه عقب استئجاري شقة عن طريقه فنشأت بيننا صلة بسبب ذلك لم تتطور إلى أن تصبح صداقة ولم تنقطع تماما … وقد التقيته هذه المرة في المقهى عندما كنت في طريق العودة إلى البيت وكان بصحبته رجل على مشارف العقد السابع من العمر لم اتعرف على اسمه رغم أنني رأيته عدة مرات صحبة محدثي الذي بدأت مقالي بسؤاله.

لم تقنع إجابتي محدثي فكرر السؤال علي بعدة صيغ حاول في كل مرة أن يغير في الكلمات دون تغيير المضمون وفي كل مرة أكرر إجابتي السابقة بطرق مختلفة … ذلك أن تعقد المشهد الذي يزداد باضطراد لم يعد يسمح بادعاء القدرة على معالجة الخلل الذي نجم عن الحروب والفساد والفوضى والتشرذم بجرة قلم أو بوصفة سحرية تقلب النحاس ذهباً.

الحل في ليبيا هو برأي طائفة من الليبيين لا يكون إلا بالحسم العسكري وهو ما تدعمه جهات إقليمية ودولية وتوفر الغطاء السياسي والدعم اللوجستي وربما العسكري لتنفيذه على الرغم من تكلفته الباهضة، ولكن أطرافا دولية وإقليمية وأخرى محلية لا يستهان بها ترفض هذا الخيار ولا تؤمن بجدواه.

في الوقت الذي ترى طائفة أخرى من الليبيين أن الحل للأزمة الليبية لا يكون لا بالوسائل السلمية وتفعيل آليات العدالة الانتقالية بمفرداتها المتعارف عليها دوليا والتي نفذت في عديد التجارب السابقة وأعطت مفعولا إيجابيا بتجاوز أثار الحروب الأهلية  وإعادة الاستقرار وتعزيز قيم العيش المشترك في المجتمعات التي عانت الأمرين من القتال وخسرت مئات الآلاف من أبنائها جراء الصراع الصفري الذي مرت به إبان سنوات الاحتراب.

وهنا يصح الحديث عن انتخابات بالمصاحبة أو بالبناء على آثار العدالة الانتقالية  عقب الاتفاق على قواعد اللعبة وتعهد الأطراف باحترام نتائج الانتخابات وعدم الانتقام من الأطراف التي تخسر في تلك العملية التي يراد منها تحديد الطرف أو الأطراف التي يمكنها قيادة مؤسسات الدولة في المراحل التالية للأزمات.

وهنا لا بد من وقفة للتأكيد على أهمية الاتفاق على شروط وقواعد اللعبة الديمقراطية بين كل الفاعلين في المشهد قبل الولوج إلى أي استحقاق انتخابي قد لا يغير من الأمر شيئا في حال التعجل والإصرار على تجاوز المراحل التمهيدية لتحقيق النتائج المرجوة من الانتخابات وليس مجرد إقامتها وليكن بعد ذلك ما يكون كما هو الحال في الانتخابات التي يطالب الفرنسيون بإقامتها في ديسمبر المقبل.

الاتفاقات التي تنهي الحروب الأهلية قد لا تتضمن على كل ما تريده أطراف النزاع وقد يرى كل طرف أن هذه الاتفاقات هضمت حقوقه وتجاوزت مطالبه وربما انتفضت عليه قواعده وهددت بنقض الاتفاق، غير أن ما يكرهه الناس في هذه الاتفاقات المنقوصة خير مما يحبونه من تلك الحروب التي تتوالد وتتضاعف ويفضي بعضها إلى بعض بطريقة انشطارية قد تأتي على ما تبقى من معاني الوحدة وأسباب الاتفاق.

الاتفاقات لا بد أن تتضمن الحد الأدنى من مطالب كل طرف دون الاعتداء على حقوق الأطراف الأخرى ولا بد أن تتوفر على الضمانات والشروط الكفيلة بمعاقبة المنقلبين على الاتفاق مهما كانت ذرائعهم، وحملهم على إتمام الاتفاق و الوفاء بالتزاماتهم التي تعهدوا بها، ولعل اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية اللبنانية كان نموذجا لهذه المعاهدات والاتفاقيات التي لا يميزها إلا كونها خير من الحرب وأقل ضررا من القتال وسفك الدماء.

الحروب التي تأكل الأخضر واليابس هي من تحمل الناس على اللجوء إلى السعي إلى إبرام الاتفاقات بين المدن وعقد الاتفاقيات بين الكيانات المسلحة وصياغة المعاهدات بين أمراء الحرب الذين يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد بحق القوة وليس بقوة الحق … أما الحالمون الذين يظنون أن قوتهم العسكرية تمكنهم من السيطرة على عموم البلاد ولو أدى ذلك إلى قتل الآلاف وتشريد الملايين فهؤلاء يغالبون سنن الاجتماع الإنساني وهي غلابة، ويدافعون رغبة الملايين في السلم والأمن وهي جزء من قدر الله الغالب، ويستكبرون على الاستماع إلى عبرة تجارب الأمم والشعوب وهو نذير شؤم على المستكبرين ومن شايعهم.

والعاقل من اعتبر بغيره، أما الأحمق فإنه ينتظر حتى يقع فيما حذره منه الآخرون فاعتبر حينها بنفسه، ولات حين مندم.

التدوينة العاقل من اعتبر بغيره … ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “العاقل من اعتبر بغيره …”

إرسال تعليق