طرابلس اليوم

الأربعاء، 27 يونيو 2018

لعنة النفط السياسية

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

مشكلة النفط الليبي ليست وليدة الساعة، وعلى الرغم من أن هذا السائل الأسود الثقيل قد نقل حياة الليبيين من حالة العوز والفاقة إلى درجة أفضل مم كانوا عليه بداية ستينات القرن الماضي، إلا أنه يُعزى إليه بداية المشكل السياسي في ليبيا عند تأسيس الدولة الليبية الوليدة وهى تحبو صوب البناء المؤسسي والقانوني والفصل بين السلطات، صحيح أن اكتشاف هذا المورد قد جاء عقب ثلاث سنين من التشكيل البنائي لليبيا 1963م، ونتيجة لفترة المخاض العام 1951م إلى 1963م، تلك الفترة التي شهدت تحولًا سريعًا في شكل الدولة الليبية الدستوري والسياسي وما طرأ عليها من تحولات كانت نتيجة  لرغبات النشطاء السياسيين في ذلك الوقت، وممازجتها مع رؤية الملك أدريس السنوسي السياسية .

لا شك أن الأيدي الخارجية لعبت دورًا في ذلك الأمر ولو بالقدر الذي كان يحكمه توازن الحلفين الكبيرين في ذلك الوقت بمعسكريه الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية،  والشرقي بقيادة الإتحاد السوفييتي، حيث لم تكن الآيادي الخاجية تسرح وتمرح عند تقرير مصير الدول كما هو عليه الحال اليوم، فقد كان يواري سوأة الدول النافذة والمنفذة نصف الراداء وقد تعرت منه اليوم بما ف ذلك سرابيلهم التي تغطي عوراتهم، وأصبحت حقوق الشعوب تنتهلك بلا حياء ولا خوف .

وخلال ست سنين من بعد اكتشاف النفط الليبي وتحوله من صورة السائل الغليظ القوام إلى رصيد بالعملة الصعبة ومخزون من سبائك الذهب تكب بكفة الإقتصاد الليبي واستثماره في قهر صور الفقر والتخلف حتى جاء انقلاب سبتمبر 1969م والذي بادرت سلطته لتأميم شركات النفط وتلييبها بنسبة 51% وما ترتب عن تلك الخطوة من إيجابيات وارتدادت مرئية وغير مرئية، ومن خلال ذلك تفطنت تلك السلطة لأهمية النفط السياسية قبل أهميته الإقتصادية، ولا شك أنها أيقنت أصول وفنون اللعبة وأجادت تعاطيها مع مرور السنين فكان شعرة التوازن والإستقرار لسلطة سبتمبر.

لكن ليس بوسع أحدٍ أن ينكر مدى الاهتمام الذي حظى به فطاع النفط إبان تلك السلطة وجعله الرديف لكرسيها من حيث الأهمية، بغض النظر عن دوره الفاعل بعملية التنمية بربوع الوطن، وعلى الرغم من احتدام المعارك بمحيط المنشآت النفطية — بمنطقة الهلال النفطي — خلال الأشهر الأول لثورة السابع عشر من فبراير، إلا أن تلك المنشأت لم يطالها التخريب ولا التدمير، حتى وإن كان البعض يرد ذلك لثقة سلطة سبتمبر في السيطرة على الأمور وإعادة الوضاع لما كانت عليه .

وفي ذات المدة وأعناق المدافع تشارف على خزنات النفط بتلك المنطقة، وضجيج الإحتراب يطغى على المشهد وتحديدًا بشهر أبريل 2011م وهو عام الثورة ظهرت الدعوة للمطالبة بالنظام “الفيدرالي” والدعوةاليه، ومع قناعتي التامة بأن الدعوة لهذا

النظام السياسي ليس عيبًا من حيث الطرح والتصور ويظل من بين الخيارات فيم لو كان ينطلق من مصلحة الوطن والمواطنين، غير أن التبكير “بالفيديرالية” ظنه البعض مقدمة لتقسيم البلاد و ينطلق من مدسوسات غير واضخة.

وفي فترة المؤتمر الوطني العام ونتيجة للصراع الحزبي داخل وخارج قاعته تبنى بعض الأعضاء المجاهرة بأن النفط يباع خارج سلطة الدولة وبعيدًا عن أعين مؤسسة النفط الليبية، وجُيشت الآلة الإعلامية للتدليل على سرقة قوت الليبيين، وأقسم أحد أعضاء المؤتمر الوطني على ذلك وبيده كتاب الله الكريم، وأيدته زميلته العضوة، نتج عن ذلك سيطرة إبراهيم الجظران على منطقة الهلال النفطي وتم ايقاف التصدير دون إثبات أن النفط يباع بدون عدادات، واستمرت عملية الإغلاق لسنتين، ومعها فشلت جميع المحاولات لإعادة عملية التصدير، وتوالت تداعيات المشكل إلى أن قام خليفة حفتر باستعادة المواني وتسليمها لحكومة الوفاق التي لم يعترف بها أصلًا، ومع عملية إعادة التصدر شهد الإقتصاد الليبي انتعاشة ووصل الإنتاج لمليون برميل ويزيد، ولم تتوقف

محاولات الجظران للسيطرة على المواني مجددًا، حتى محاولته الأخيرة والتي تم فيها دحره من قبل قوات حفتر، وقام بعدها حفتر بتسليم الموانئ للحكومة المؤقتة وتحديدا لمؤسسة النفط بمدينة بنغازي .

تظل هذه العمليات في إطار سعي الأطراف لتسخير مورد ليبيا الوحيد و الريعي كورقة سياسية، تتلقفها الأطراف الخارجية للنفخ بزوايا المختنق السياسي الذي يتورم يومًا بعد يومًا، ويعود بالمخاطر على المواطن الليبي الذي يحلم باستقرار الدولة والإنتقال لمرحلة البناء، وهو مالم يتحقق بل ينذر بزيادة تعقيد المشكل الليبي، وقد يصل الأمر الي ما هو أبعد من تقاسم الثروة لتقاسم الجغرافيا، وهو رهن إرادة الساسة الليبيين الذين فقدوا ثقة المواطن في الوصول لتوافق وطني ينهي جملة الصراعات المتجددة والمتأزمة، وبذلك أضحى النفط لعنة لا يستفيد منه سوى النافذون والعارفون بأصول اللعبة وإن اختلفوا .

التدوينة لعنة النفط السياسية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “لعنة النفط السياسية”

إرسال تعليق