طرابلس اليوم

السبت، 30 يونيو 2018

الإرهاب الشمولي

,

أحمد يونس/ أكاديمي ليبي

بغض النظر عن مجمل التعريفات الأممية والأكاديمية لمصطلح الإرهاب، فإنه سيظل كفكرة وسلوك يتحمور حول الإجبار والإرغام، أي محاولة فرض الأفكار والروئ والأنماط الاجتماعية والسياسية والدينية بقوة السلاح.

لا شك أيضا أن العالم في قرنه الحالي لا يركز إلا على الإرهاب الإسلامي، وتجنيد كل قواه لمواجهته، ولا أدري إن كان ذلك بنصحية من صموئيل هنتنغتون الذي توقع في كتابه صدام الحضارات أن الخطر القادم على حضارة الرجل الأبيض قادم من عوالم الإسلام، بعد ترويض الشيوعية وحصارها في بلدين فقط.

يحاجج كتاب ومفكرين ومنظرين أخلاقيين أن سلوكيات الدولة الشمولية الديكتاتورية القمعية لا تقل انتكاسا وضررا عن الإرهاب الإسلامي، فأحدهما يحاول فرض رؤيته الشمولية من خلال أجهزة الدولة وقوتها الصلبة، والآخر يسعى لتغيير العالم انطلاقا من برنامج أخروي يعد بالجنة حال الفشل أو الموت في الدينا. النتيجة واحدة والطريق المسلوك معبد بالجثث والسحل والسجن والانتحار.

هذه حجج ومنطق أخلاقي قيمي لا ينازع في أهميته وصدقيته عاقل من ناحية نظرية صرفة، أما عمليا وسياسيا أو ما يمكن تسميتها بالواقعية السياسية، فهذا غير مستمع إليه دوليا، خاصة من الخمس أو السبع أو العشرين الكبار في العالم، أي تلك الدول التي تملك أغلب ترسانة السلاح في العالم، وتهمين من خلال هذه المنظومات التسليحية على موارد الطاقة وصناعة القرار.

لا أظن أن أحدا يشك في إرهاب هتلر و موسوليني وماو تسي تونغ وستالين وعبد الناصر والقذافي وعلي عبد الله صالح والسيسي. فكل هذه الأسماء سخرت منظومة الدولة الصلبة كالجيش والشرطة في سحق معارضيها، وعدم قدرتهم على فهم أي وجة نظر مخالفة أو معارضة. لقد تركت سنين حكم هؤلاء الحكام بصمات سلبية في وعي ولاشعور الشعوب التي حكموها. فهم دائما وأبدا ينظرون إلى الشعوب كأرقام يجب إعادة هندستها اجتماعيا وأخلاقيا وفق ما يعتقدون أنه أخرويات شاملة وقادرة على معالجة أدق القضايا، كتنظيم السلوك الفردي وطبيعة العلاقات وما يجب أن يكون عليه الدين وجودا وعدما.

أيضا يستخف الإرهابيون الإسلاميون ونظرائهم من الأديان الأخرى بحريات الناس، والإصرار على جبرهم على أنماط سلوكية يرونها الأصلح للحياة على هذا الكوكب، والأنفع بعد الممات، فكل مسألة دنيوية يجب أن تحال لرأي أو عدة آراء تتصف بالنقاء الشديد والصفاء الدقيق، وفق تنظيرهم.

لا يمكن لنا كعوالم ودول ضعيفة ومفككة حسب الخريطة العالمية الراهنة أن نفرض رؤيتنا الأخلاقية الواسعة عن الإرهاب أو أن تتبناها الدول والمنظمات التي تملك حصريا حق التعريف والتنظير والتنفيذ. حيث أن واقعنا يفرض علينا الالتزام بما يرونه وإلا تحولنا بقرار أممي أو فردي تملكه هذه الدول إلى مطاردين، وهدفا مباشر لطائرات تُشغل إلكترونيا من قواعد تبعد عنا آلاف الكيلومترات.

واقعيا الدول الكبرى تلتزم داخلها بقواعد اللعبة الديمقراطية، مع تشكيك في نجاع نتائجها من مفكرين يساريين كناعوم تشومسكي وإدوارد سعيد وإسرائيل شاحاك وفلاسفة سياسيين كحنة أرندت، إلا أنه في نهاية المطاف رضت بها شعوب الدول الكبرى كمخرج لمعضلة السلطة والحكم.

واقعيا أيضا أثبت السلوك السياسي ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث حركات التحرر، أن هذه الدول الكبرى رفضت وبشدة وعناد أن تتحول عوالمنا إلى الديمقراطية كآلية تداول سلمية على السلطة. حيث دعمت الولايات المتحدة بل وهندست سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول ما بعد الاستعمار، بعد أن تخلت بريطانيا عن دورها وريادتها وتقاسمها لدولنا مع فرنسا كنتيجة للحرب العالمية الثانية التي أفرزت قوى جديدة.

أثبتت الدولة المتسلطة أن سلوكها يؤدي مباشرة إلى تفريخ وإنتاج الإرهاب، حيث أن الدولة المتسلطة لا يقتصر سلوكها على حرمان قطاعات واسعة من الناس من ممارسة حقها في التعبير السياسي، بل عملت على إفقار هذه القطاعات التي تجد في الإرهاب متنفسا لها من الضغط المستمر أمنيا واقتصاديا.

فبلد كليبيا رغم ثرواته النفطية الهائلة، بقي تحت حكم نظام القذافي متخلفا تقريبا في كل المجالات الاقتصادية والتعليمية والتنموية، مع موجة تصحر فكري وعقلي توسعت دائرتها مع سنين حكم العقيد الأربعين.

بلد كهذا لا يتوقع منه ألا ينتج إلا مزارع واسعة وضخمة من الإرهاب، ليس فقط في شكله الراهن الإسلامي، بل في فظاظة السلوك اليومي الذي يتخذ من العنف سبيلا وحيدا وحلا جذريا لإنهاء أي مسألة مختلف حولها. حيث تحولت حياة الناس إلى دوائر من العنف والعنف المضاد.

في بلد كالإمارات من أكثر الدول العربية انتعاشا اقتصاديا، تسخر فيه قدرات الدولة لإنهاك وضرب وشل أي حراك ديمقراطي في دول ما بعد الثورات، وضرب الاستقرار فيها.

التدوينة الإرهاب الشمولي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الإرهاب الشمولي”

إرسال تعليق