طرابلس اليوم

الاثنين، 18 يونيو 2018

بين مصلحة أوروبا وحق ليبيا

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

اطلعت سنة 2007م على تقرير لإحدى المنظمات الأممية المتخصصة في الشأن السكاني والديموغرافي لدول البحر الأبيض المتوسط والتحولات التي ستطرأ على الدول المتوسطية في المستقبل لعدة عوامل ، وكان لليبيا شطر مهم في التقرير الذي تحدث عن إمكانية اختفاء الجنسية الليبية برمتها بحلول سنة 2050م كأقصى تقدير وذلك لعدة عوامل منها تأخر سن الزواج لدى الرجال الليبيين الذي أصبح متوسطه من 35 – 40 سنة وللنساء اللاتي أصبح متوسط زواجهن من 30-35 سنة ، مما يحذو بالمتزوجين في هذه السنوات الاكتفاء بإنجاب طفل إلى طفلين كتحديد جبري للنسل لا تحتاجه ليبيا مطلقاً ، وأرجع التقرير سبب تأخر الزواج إلى سياسة الدولة الليبية في عهد القذافي غير المشجعة على الزواج في ظل غياب قوانين وبرامج تحفز الشباب الليبي على الزواج ومن ثم الإنجاب بأعداد يحتاجها المجتمع الليبي ليبقى على قيد الحياة ، ناهيك عن الحالة المادية والاقتصادية الصعبة التي تواجه العوائل الليبية نتيجة القيادة السياسية للملف الاقتصادي في ليبيا القذافي أنذاك والتي توصف بالسلبية .

وحسب التقرير وأمام هذه الوقائع ستكون ليبيا في سنوات متقدمة مطمعاً لانفجارات سكانية تنطلق من وسط إفريقيا تحديداً من الكاميرون ونيجيريا التي ستغزو بطرق متعددة نحو الشمال لتطأ أقدامها على أراضٍ يمثل السكان فيها نسبة قليلة وصولاً إلى شمال المتوسط ، ولقد ساعد هذا المد والتحول الديموغرافي نحو الشمال قوافل الهجرة الغير شرعية التي شجعها القذافي حينها بغية لوي ذراع أوروبا بفتح المجال لركوب الأمواج انطلاقاً من الساحل الليبي نحو لامبيدوزا الايطالية ، مما حذا به أن شجع الأفارقة بعد توقيعه لاتفاقيات مجحفة بحق ليبيا تمكنهم من الدخول والخروج بكل أريحية عبر الصحراء الليبية وحدودها المفتوحة أمامهم بأمر العقيد ، فتكونت مجموعات سكانية كان أملها الأول أن تصل إلى الساحل ولكن كثيراً منها فضل البقاء في الجنوب الليبي معتبراً أن بقائه فيه بديل أفضل من البقاء في بلده أو ركوب قوارب الموت ، بالإضافة إلى تشجيع دولة القذافي لهم بالإقامة دون قيود صارمة .

وبعيد قيام الثورة وانهيار عديد المؤسسات الليبية والتي كانت الأمنية على رأسها ازداد هذا الملف استفحالاً وتشعباً ، فمع غياب سيطرة الدولة على حدودها الجنوبية بشكل أو بآخر ازداد عدد المارين نحو أوروبا عبر ليبيا بأرقام مضاعفة سالكين الطرق المعبدة بدل الاختباء بمسارب الصحراء بمعية عصابات تهريب تستظل بحمى القبيلة التي ذرت عليها أموالاً طائلة ومكاسب سياسية أيضاً ، واستمر هذا الشريان متدفقاً حتى أصبح ملف الهجرة الغير شرعية ملفاً ليبيا أممياً مقلقاً ومثل أحد أسباب التدخل الدولي في حل الأزمة في ليبيا ودعا من خلاله المجتمع الدولي بصفة عامة ودول جنوب أوروبا بشكل خاص لإيجاد حلول لوقف هذا التدفق .

مثلت فترة حكومة الوفاق الوطني أهم مرحلة للحد من هذا الملف على أوروبا حصراً ، فأبرمت الاتفاقيات الجدية بين إيطاليا وفرنسا والأمم المتحدة من جهة وحكومة الوفاق الوطني من جهة أخرى وأسست البرامج المشتركة بين الطرفين والتي ركزت على تدريب خفر السواحل الليبية على اعتراض قوارب الهجرة الغير شرعية وردها إلى الساحل الليبي ، ومدتها بكل الإمكانيات اللوجستية والتدريبية بغية تحقيق هذا الهدف والذي أتى أكله بعد حين ، فقد استمر الدعم الأوربي لحكومة السراج ووصل حد تنفيذ الشركاء الأوربيين عمليات نوعية طالت رؤوس تجارة تهريب البشر في الساحل الليبي وشركائهم الأوروبيين في مالطا وايطاليا ، فقبض على أكثرهم وهناك من اغتيل وهناك من حددت تجارته بطرق أخرى .

نتيجة هذا التعاون الكبير بين طرابلس وأوروبا تراجعت نسبة راكبي الأمواج من ليبيا نحو لامبيدوزا إلى أكثر من 80 % مما حذا بأوروبا أن تتنفس وبحكومة الوفاق أن تبرز نجاحاً في ملف ما وابدت المؤسسات الرسمية الليبية فرحاً بهكذا إنجاز .

ولكن السؤال المهم !! هل هذا ما تريده ليبيا ؟ .

هل نريد أن تتوقف بهذه الطريقة الأحادية المصلحة قوارب الهجرة نحو أوروبا .. ؟ بالتأكيد لا !!

فالمجتمع الدولي أوجد حلاً لما يخصه هو فقط ، وهو توقف قوارب الهجرة من ليبيا نحو أوروبا ، ولم يلتفت لا هو ولا شركائه في طرابلس لإيقاف الهجرة من إفريقيا إلى ليبيا والتي تتحمل أوروبا لوحدها سبب هذه الرغبة الإفريقية نحو التقدم للشمال بسبب سياساتها نحو هذه الدول بالذات فيما يخص فرنسا التي لا تزال تتعامل مع مستعمراتها القديمة بمنطق المفرخة للإمكانيات المادية الخام ولبعض الكوادر البشرية الرخيصة ، فلم تساعد كما تعد دائماً بإيجاد برامج ومشاريع تنمية لهذه الدول حتى يتسنى للمواطن الإفريقي أن يبقى في بلده مشاركاً في نهضتها .

ولأن ذلك لم يتحقق فلم يتوقف ، ولن يتوقف الأفارقة عن التوجه نحو الشمال بحثاً عن فرص العيش وربما إيجاد الوطن البديل وإن كان على حساب ليبيا الفقيرة بالسكان ، فنحن نرى اليوم الجنوب الليبي قد تغير حاله الديموغرافي نحو اكتظاظ لمواطني إفريقيا جنوب الصحراء ليحلوا محل أفارقة الساحل والتي قد بدأها القذافي باستيطانهم بعد حرب أوزو مع تشاد وتمكينهم من بعض النقاط الجغرافية وصولاً لاستجلابهم كمرتزقة يقاتلون مع أطراف الصراع حالياً مروراً بفتح ممرات الهجرة الغير شرعية ، ففي هذه الحال يجب على سياسيي ليبيا ومسؤولي مؤسساتها السيادية التوقف عن دعم أوروبا أحادياً فيما يخدم مصالحها هي ، وذلك بالتأكيد على استمرار الدعم الأوروبي بدعم الحدود الجنوبية لليبيا وتقديم الدعم اللامتناهي لحرس الحدود كذلك الدعم الذي قدم لخفر السواحل الليبية ، وإلا على مؤسسات طرابلس فتح البحر على مصراعيه لينطلق الفاتحون الأفارقةعبر قواربهم نحو نعيم أوروبا ومجدها ليشاركوا ربما في نهضة من نوع جديد تصيب القارة العجوز تغير من ديموغرافيتها هي بدل ديموغرافية ليبيا ، وعلى المؤسسات السياسية أن تعي أن مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار وفوق كل ذي قوة خارجية وأن تكدس الأفارقة في بلدنا سيمحونا من على واجهة الخارطة الجغرافية وربما من التاريخ برمته .

التدوينة بين مصلحة أوروبا وحق ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بين مصلحة أوروبا وحق ليبيا”

إرسال تعليق