طرابلس اليوم

الاثنين، 11 يونيو 2018

بدون شراع

,

عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي

“البعض من الناس ربما يكون لديه مركب مجهز تجهيــزا حسنا و له دفــــة قوية ، غير أنه لا يتحرك لأنه بدون محركات قوية ولا أشرعة مناسبة .
كذلك حال البعض منا …
بدون إيمان يعمر صدره ويضيء الدنيا من حوله ويكسبها طعما حلوا ومذاقا مميزا .
بدون إحساس مرهف يحملنا على السعي والبذل ليعم الفرح الجميع .
بدون الوقوف على أسرار الجمال الأخاذ في كل ما يحيط بنا من المخلوقات وما يبدعه الناس من ألوان فنية و أدبية راقية .
بدون معرفة لفضل الله المبثوث في كل ما نتعاطاه من الأشياء ونتقلب فيه من صنوف العطايا .
بدون عواطف جياشة تفيض من أفئدتنا على أبناء جلدتنا تدفعنا إلى مواصلة الليل بالنهار فيما يصلح شؤونهم وتستقيم به أحوالهم .
بدون مخالطة الناس والصبر معهم وعليهم ومشاركتهم في السراء والضراء .
بدون كل هذه المعاني لن نكون إلا كأعواد الخشب لا مشاعر ولا أحاسيس ولن نرى الحياة إلا من خلال بريق الذهب ورنين الفضة ولا نفهم من الحياة إلا جداول الحساب والكسور العشرية .
قد نقيم الأبراج الشاهقة ولكنها بدون أي معان للحياة الطيبة .
وقد نبني قوارب ولكنها بدون أشرعة .
وقد يلين لنا الحديد وننحت الصخور ولكن لخدمة الدمار والعنف و الطغيان .
إننا نجعل الدنيا همنا الوحيد فنحرم الود والحنان والرحمة والإحسان .
أما الإنسانية الحقة …
فإيمان بالله تعالى ورفق بعباده .
إن الإنسان المؤمن الودود هو روح هذه الإنسانية وهو الذي تكتسب به الحضارة شقها المعنوي و روحها المنتشرة في أنحائها ، ومحرك المركب الإنساني هو الإيمان ، وشراعه الإقبال على الناس والقبول بهم .
أما النظـرة المـاديـة المجردة فإنـها إن سلمـــت من النقـــص الفاضـــح وقعـــت يقينا في الخطأ الفادح” .

إلى هنا انتهى مقال نشرته في مدونتي “التيسير” عام 2010

وأنا اليوم استذكر ما كتبته فيها وأعاود متحسرا النظر إلى الوراء ومن ثم إلى الأمام لأقول من جديد إن احتياجنا إلى الإيمان الدافع إلى فعل الجميل والمانع من إتيان الذميم من الأفعال لا يزال ملحا ليس لأننا تركنا الإسلام لا قدر الله ولكن لأننا حصرناه فقط فيما نستسهله من أقوال وطقوس وأعمال يسيرة … كلها مطلوبة دون شك … ولكنها لا تغني عن أخلاق البذل والتراحم والتآزر والتعاون على البر والتقوى …

فالإيمان يضعف بالإعراض عن معاناة الجيران والأقارب وعدم التعاطي معهم على قدر الاستطاعة …

وعدم تفقد الجار لجاره يجعله يدخل في خانة من نفى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم عنهم كمال الإيمان كما في الحديث: ” ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به. ”

والناس اليوم يعانون أشد المعاناة بسبب الحرب وبسبب نقص السيولة وبأسباب أخرى عديدة ولا يجدون من يأبه لمعاناتهم…

الإيمان ليس مجرد شعور جميل ينتج عن اعتقاد سليم فقط … ولكنه تعميق لإنسانية الإنسان وتحقيق لآدميته … فلا يستقيم إيمان عبد حتى يعيش بحق ويقطع الصلة بالأنانية والقسوة والغلظة على عباد الله … ويشعر بكربات المكروبين من المؤمنين القريبين منه والبعيدين عنه، تحقيقا لمعنى الأخوة الإيمانية التي حث الله عليها عباده في كتابه الكريم:

“إنما المؤمنون إخوة” سورة الحجرات

فسلام على الدنيا إذا خلت من المؤمنين وسلام على بلاد الإسلام إذا اكتفي المسلمون بالقول والكلام وتجاهلوا إخوانهم المعوزين.

فالمؤمن بدون شعور بالآخرين وتعاطف معهم وبذل المستطاع من أجلهم

سفينة واقفة وسط المحيط لا تنفع الناس ولا توصلهم إلى بر الأمان لأنها “بدون شراع”.

التدوينة بدون شراع ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بدون شراع”

إرسال تعليق