طرابلس اليوم

الجمعة، 1 يونيو 2018

حفتر يقود حرب تجويع درنة شرق ليبيا

,

تخفي حرب اللواء الليبي خليفة حفتر على مدينة درنة، شرقي البلاد، التي وصل العنف فيها إلى مستوى “غير مسبوق”، وفق تقرير للأمم المتحدة، جملة أهداف يسعى اللواء الليبي لتحقيقها، تحت شعار “محاربة الإرهاب”، وهو الشعار نفسه الذي استخدمه حفتر مراراً للتمدّد ميدانياً في البلاد، بدعم مصري وإماراتي، على الرغم من أن الوقائع تكشف عن معطيات مختلفة. ومع إعلان قوات حفتر تقدّمها على الأرض في درنة الواقعة على بُعد 270 كيلومتراً تقريباً من الحدود مع مصر، وهي المدينة الكبيرة الوحيدة في شرق ليبيا الخارجة عن سيطرة قوات حفتر، تتزايد التحذيرات من الوضع الكارثي الذي يعيشه نحو 125 ألف مواطن مدني محاصرين فيها، في ظل نقص في الطعام والمياه والدواء، خصوصاً أن المدينة واقعة تحت حصار منذ ما يزيد عن السنتين.

ويقود حفتر حملته هذه تحت شعار محاربة الإرهابيين، وهو يواجه ائتلافاً يضم مقاتلين محليين وإسلاميين يُعرف بـ”قوة حماية درنة” (مجلس شورى مجاهدي درنة ومقاتلون محليون)، ويتهمه بأنه موالٍ لتنظيم “القاعدة”، غير أن الوقائع تنفي ادعاءات حفتر، إذ إن هذا الائتلاف هو الذي حارب تنظيم “داعش” ونجح في طرده من المدينة. بالتالي ما هي الأهداف التي يرجو حفتر، ومن ورائه مصر والإمارات، تحقيقها من الحملة على المدينة؟ بدا واضحاً أن اللواء الليبي، وبعد رحلته العلاجية في باريس إثر إصابته بعارض صحي أثار تساؤلات عن إمكان استمراره على رأس الجيش الموالي لبرلمان طبرق، يسعى لتحقيق “إنجاز جديد” بالسيطرة على درنة لتثبيت وجوده كفاعل أساسي على الساحة الليبية والتأكيد أنه لن يغادر المشهد قريباً، في ظل تسارع محاولات “المجتمع الدولي” لإيجاد حلّ سياسي في ليبيا، يضبط التفلت الأمني، ويوقف تحول هذا البلد إلى جنة لتهريب البشر والمهاجرين إلى أوروبا، ويحافظ على استقرار منابع النفط، ويمنع تحول ليبيا إلى مركز بديل لتنظيمي “داعش” و”القاعدة”.

كذلك تأتي الحملة بعد اجتماع باريس، الذي عُقد في العاصمة الفرنسية الثلاثاء الماضي، وضم إلى حفتر، رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، وتخلله توجيه انتقادات كبيرة لحفتر، والحديث خصوصاً عن ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادة شخصية جديدة، بحسب كلام السراج. وظهر أن تمسك حفتر بقيادة المؤسسات العسكرية شخصياً، لا يزال العقدة الأبرز، وهو ما تُرجم بقول فائز السراج، في مؤتمر صحافي تلى إعلان البيان الختامي لمؤتمر باريس، إنه لا بد أن تكون المؤسسات الأمنية بعد توحيدها “بقيادة شخصية مدنية”، وهو كلام موجّه إلى حفتر أساساً، فضلاً عن إصرار السراج على وقف معركة درنة وفتح ممرات إنسانية إلى المدينة.

وفي السياق نفسه، قال خالد المشري إنه لا يعترف بخليفة حفتر قائداً للجيش الليبي، لأنه “قوة أمر واقع وليس قوة شرعية”، مشدداً في تصريحات تلفزيونية قبل يومين على ضرورة وقف إطلاق النار في مدينة درنة وفتح ممرات آمنة، معتبراً أن ما يجري “ليس محاربة الإرهاب بل تصفية خصوم سياسيين”، في إشارة إلى سعي قوات حفتر لانتزاع المدينة من “قوة حماية درنة”.

لهذه الأسباب الرئيسية، يصعّد جيش حفتر حملته في درنة، والتي وصل العنف فيها إلى درجة “غير مسبوقة”، بحسب تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، صدر أمس الخميس. وأفاد التقرير بأن القتال في المدينة الليبية تصاعد، مع غارات جوية وقصف لمناطق سكنية واشتباكات ضارية على الأرض. وأضاف المكتب أن هناك نقصاً حاداً في المياه والطعام والدواء، وأن الكهرباء والمياه مقطوعتان بالكامل عن سكان المدينة الذين يبلغ عددهم 125 ألفاً. وقالت الأمم المتحدة إن درنة لم تشهد دخول أي مساعدات منذ منتصف مارس/ آذار، فيما عدا مواد تستخدم في الغسيل الكلوي وأدوية دخلت في وقت سابق هذا الأسبوع.

وأشار التقرير إلى أن “الجيش الوطني الليبي (بقيادة حفتر) أعلن أنه يسيطر الآن على المداخل الشرقية والغربية للمدينة… والمناطق المحيطة التي تشهد اشتباكات”. وأوضح أن جيش حفتر أعلن، يوم الثلاثاء، أنه سيطر على أعلى منطقة في درنة، وأعلنت “قوة حماية درنة” بعدها انسحابها من المنطقة الصناعية في المدينة. وأضاف التقرير “أفادت مصادر محلية بأن قوة حماية درنة تتخذ مواقع الآن وسط البنية التحتية المدنية في المناطق السكنية، خصوصاً في مركز المدينة، وقيل إنهم يرتدون ملابس مدنية”. وأشار التقرير إلى أن المدنيين ممنوعون من مغادرة المدينة.

واقتصرت حملة قوات حفتر إلى حد كبير على ضربات جوية وقصف متفرق حتى شهر مايو/ أيار الماضي بدعم مصري وإماراتي، إذ تتهم القاهرة سكان درنة بإيواء أشخاص ارتكبوا اعتداءات على الأراضي المصرية. وقالت الأمم المتحدة إن قصفاً عشوائياً أدى إلى مقتل خمسة مدنيين على الأقل، بينهم طفلان، منذ 22 مايو. ولا يقتصر القصف الجوي على المدينة على قوات حفتر، إذ نفذت مصر أيضاً ضربات جوية في درنة مستهدفة ما قالت إنها معسكرات تدريب ترسل متشددين إلى مصر لشن هجمات. وسبق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” أن دانت الأعمال العدائية وتصاعد العنف حول مدينة درنة، مطالبة في بيان، أطراف النزاع في المدينة بـ”احترام قوانين الحرب، وتجنّب المدنيين والبنية التحتية المدنية”. وقالت المنظمة، في البيان: “يستعد سكان درنة، الذين يعانون من حصار عسكري امتد قرابة عامين، لمعركة طويلة محتملة للسيطرة على مدينتهم. على كبار القادة ضمان اتخاذ المقاتلين تحت قيادتهم جميع التدابير الممكنة لتجنيب المدنيين الأذى”.

كما كان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، قد دعا خلال إحاطة قدّمها لمجلس الأمن الدولي، إلى وقف القتال في درنة، محذراً من تعرض المدنيين لمزيد من الخطر “جراء الحرب التي تدور في ضواحي المدينة”. يُذكر أن درنة، التي تُعتبر آخر المدن الكبرى في الشرق الليبي خارج سيطرة حفتر، تعيش تحت حصار من قبل قواته منذ ما يزيد عن عامين، فيما يأتي هجوم الأخير على المدينة ضد “قوة حماية درنة” بشعار تخليصها من تهديد المتشددين، إذ تعتبر سلطات شرقي ليبيا “قوة حماية درنة” تنظيماً إرهابياً مرتبطاً بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”، بينما كانت هذه القوة هي التي طردت “داعش” من المدينة. وتشكّلت تلك القوة في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2014، لمواجهة قوات عملية “الكرامة”، التي أطلقها حفتر منتصف مايو/ أيار من ذلك العام.

ويأتي تقدّم قوات حفتر في المدينة ومحيطها، وسط ترجيحات بأن تتمكن في النهاية من السيطرة على درنة، في ظل تفوقها عددياً وتسليحاً على خصمها، “قوة حماية درنة”، المنهكة جراء العديد من العوامل، بينها الحصار المفروض على المدينة، إضافة إلى أنها خسرت العديد من مقاتليها وكبار قادتها خلال الحرب التي خاضتها ضد تنظيم “داعش”.

العربي الجديد

التدوينة حفتر يقود حرب تجويع درنة شرق ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “حفتر يقود حرب تجويع درنة شرق ليبيا”

إرسال تعليق