طرابلس اليوم

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

هل ساهمت الانشقاقات السياسية في إعادة بروز تنظيم الدولة في ليبيا؟

,

إنفو بلوس غابون

 

يبدو أن الهجوم العنيف الذي شن يوم الخميس ضد نقطة تفتيش أمنية تقع شرق طرابلس، الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص وسارع بتبنيه تنظيم الدولة، قد أعاد تسليط الضوء على مسألة وجود خلايا إرهابية نائمة في ليبيا، وقدرة ما تبقى من عناصر تنظيم الدولة على التحرك، مستفيدين من الانقسامات السائدة في البلاد للظهور من جديد.

بعد طردهم في كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2016 من سرت، معقلهم الرئيسي في ليبيا، تشتت صفوف مقاتلي تنظيم الدولة في الصحراء الليبية، خاصة في شرق البلاد وجنوبها هروبا من مطاردة القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية. وعلى الرغم من الضربات الجوية المتعددة وعمليات تصفية مقاتلي وقادة التنظيم، التي تقودها الولايات المتحدة بالتعاون مع السلطات الليبية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، إلا أن هذه المنظمة الإرهابية تمكنت من تنفيذ عدة هجمات عنيفة في ليبيا في مدن مثل مصراتة وطرابلس، وضد مواقع أمنية في شرق البلاد على مشارف المدن.

ومن خلال هذه العمليات المحدودة، التي فُسرت على أنها محاولة من التنظيم لاستجلاب شبح الذكرى السيئة لليبيين، حاول التنظيم التأكيد على أن قدرته التدميرية لم تنته، كما استفاد من الانقسامات التي تميز العلاقات بين مختلف الفرقاء في ليبيا من أجل استعادة مكانته وترسيخها كفاعل رئيسي.

حيال هذا الشأن، قال المحلل السياسي الليبي مفتاح ترهوني إن “الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة الخميس الماضي هو استجابة للدعوة التي وجهها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لتنفيذ عمليات بشكل مستمر لمجابهة أعدائه”. ولشرح مسألة استمرار الهجمات الإرهابية في ليبيا، أكد ترهوني أن “الخلافات بين صناع القرار في ليبيا عملت على تقوية خلايا تنظيم الدولة في البلاد”.

أما بالنسبة للناشط في المجتمع المدني عبد الرحمن الفيتوري، فإن الهجوم على مركز أمني بوادي كعام يثبت أن تنظيم الدولة يسعى لعرقلة مساعي إرساء السلام في ليبيا، ومنع الدولة من المضي قدما نحو عصر تغزو الشعوب والأمم التكنولوجيات المتقدمة”. كما دعا الفيتوري “الليبيين الذي يتناحرون من أجل السلطة أن يدركوا أن بلادهم في خطر، وكلما استمرت خلافاتهم زاد عدم الاستقرار في البلاد، وهذا الوضع يعزز موقف تنظيم الدولة لإنهاك بلادهم وإضعافها”.وأضاف الفيتوري أن “ما حدث في وادي كعام يذكر بالسيناريوهات الأولى المبكرة لتنظيم الدولة عند تأسيس إماراته في سرت ودرنة، وقد دفع الليبيون الثمن باهظا لطرده من هاتين المدينتين”.

ومن جانبه، صرح عادل المجبري، أحد العاملين في شركة النفط المتمركزة في الموقع، أن الهجوم على مكتب وادي كعام هو ردة فعل تنظيم الدولة بعد ما تكبده من خسائر فادحة في ليبيا. وأضاف المجبري “لا يخفى أن تنظيم الدولة في ليبيا تجرع الهزائم بفضل المقاومة الشعبية في مناطق كثيرة من البلاد، وهو ما يؤكد رفض سكانها للفكر المتطرف الذي لا مكان له بين الليبيين الذين يتميزون بالاعتدال. ولكن أولئك الذين نجوا من هذه المعارك يتأهبون وبلا شك للانتقام، والاستجابة لدعوة زعيمهم”.

بالعودة إلى الملف نفسه، قال الباحث الليبي عبد السلام مباح إن “كثرة الانشقاقات في المؤسسات الليبية وضعف السلطة التنفيذية كان من بين العوامل التي شكلت أرضية خصبة للإرهاب والتطرف والتدخل الأجنبي”. كما بين هذا الباحث الليبي أن “اعتماد قانون الاستفتاء وتوحيد مؤسسات الدولة في سلطة تنفيذية جديدة، فضلا عن تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يمثل الحل لبناء الدولة من جديد، وكل من يعارض هذا الحل سوف يتحمل مسؤولية انبعاث تنظيم الدولة من جديد”. كما شدّد الطالب في كلية الحقوق في طرابلس فيصل على ضرورة “إنشاء جيش وطني موحد ذا ولاء وطني بحت، مُجرد من أي انتماء فكري أو أيديولوجي”.

وأكد المصدر ذاته أنه “من دون جيش موحد مُجردٍ من أي انتماء فكري أو عقائدي، ستظل ليبيا تفتقر إلى دولة قوية ولن يتمتع شعبها بالسكينة”، مضيفًا أن “الانقسامات التي تعاني منها البلاد ستؤدي إلى حدوث عمليات قتل جماعي”. وفي إطار البحث عن حل لمعضلة تنظيم الدولة، أوضح الموظف الحكومي المتقاعد أبو القاسم الورفلي أن الخطوات الأولى التي يجب اتخاذها في الحرب على الإرهاب تتمثل في توحيد المؤسسات السيادية والتنفيذية في البلاد، لا سيما المؤسسات الأمنية والعسكرية، “وكل من يُعرقل هذه العملية سيعتبر مؤيدا للإرهاب وتغلغل جذوره في البلاد”.

عُقدت اجتماعات بين كبار المسؤولين الليبيين من شرق البلاد وغربها في القاهرة، بهدف صياغة ميثاق وإيجاد طرق لتوحيد الجيش الليبي على مبدأ الجيش الجمهوري الخاضع للسلطة المدنية والمكلف بالدفاع عن سيادة ليبيا واستقلاليتها. وقد نوه الورفلي بأن “الإرهاب سيواصل عملياته لاستهداف مناطق في الشرق والغرب وفي جميع أنحاء البلاد، طالما أن الشاغل الوحيد للقادة السياسيين هو البقاء في مناصبهم حتى لو كان ثمن ذلك انهيار الوطن وبؤس المواطن”.

ردا على الهجوم الإرهابي الذي استهدف الموقع الأمني في وادي كعام، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق إن “هذا الحادث لن يثني حكومة الوحدة عن المضي قدما لضمان الأمن والاستقرار وتحقيق مصالحة وطنية”. وشدد المصدر ذاته على أهمية استمرار دعم الحكومة من أجل إجراء مصالحة بين الأجهزة العسكرية والأمنية وقوة مكافحة الإرهاب التي ستكون بمثابة رادع ضد أي قوة تقوض بناء الدولة؛ مؤكدا على ضرورة محاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله في جميع أنحاء ليبيا.

والجدير بالذكر أن هذا الهجوم وقع في وقت وصلت فيه العملية السياسية في ليبيا إلى طريق مسدود، بعد إعادة إطلاقها في اجتماع باريس، الذي يبدو أن مساعيه بتنظيم انتخابات عامة قد تعطلت بسبب الاختلافات التي ظهرت بين مختلف الأطراف الفاعلة في البلاد. فقد أدى دخول إيطاليا القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا على الخط ومشاركة فرنسا في العملية السياسية، التي تعد من البلدان المعارضة بصفة علنية لإجراء انتخابات  في البلاد، إلى عرقلة جدول أعمال هذه الانتخابات، التي من المفترض أن تمنح البلاد شرعية جديدة من خلال صندوق الاقتراع.

بسبب هذه الاختلافات، لم ينجح النواب في اعتماد قانون الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد نظرا لاستمرار تأجيل الجلسات العامة للتصويت. ومن هذا المنطلق، لسائل أن يسأل هل سيساهم المؤتمر الدولي الذي سيعقد قريباً في روما بدعم من الولايات المتحدة والذي يهدف لإعطاء زمام المبادرة إلى إيطاليا بشأن القضية الليبية، في حل الأزمة الليبية وتحقيق الاستقرار والسلام؟ يؤرق هذا السؤال جميع الليبيين المتلهفين إلى إرساء الاستقرار وإعادة بناء بلادهم.

التدوينة هل ساهمت الانشقاقات السياسية في إعادة بروز تنظيم الدولة في ليبيا؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “هل ساهمت الانشقاقات السياسية في إعادة بروز تنظيم الدولة في ليبيا؟”

إرسال تعليق