طرابلس اليوم

السبت، 25 أغسطس 2018

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي.. كتاب العشرية الثانية

,

هشام الشلوي/ كاتب ليبي

الانتهاء من قراءة كتاب “الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي” لمؤلفه محمد المختار الشنقيطي يضع الضمير العربي والمسلم أمام معضلة ضرورة مراجعة تراثه الثقافي في شقه السياسي، المبني على أصول الوحدة والمحافظة والرافض لدينامكية الحياة والشعوب.

إن ما فعله الشنقيطي هو أن ورط هذا الضمير في أزمة ثقافية ذات بعد سياسي عميق، وهو الضمير الذي ارتضى على مدى قرون سيف الحاكم المسلط باسم الله وباسم الخلافة على رقبته، رافضا كل محاولة ردع هذا الحاكم وفق صلاحيات دستورية تسأله الأمة إذا ما حاد عنها.

الكتاب ينضح بقيم كانت ومازالت في طور “الإمكان” لم تخرج بعد في صورة مؤسسات وإجراءات، وتحصر تطبيق هذه القيم في زمن لم يتعد عقودا أربعة، حتى جاء معاوية بن أبي سفيان وشل هذه القيم شلا استمر على مدى التاريخ الإسلامي المعاصر بأن جعل الملك عضوضا والخلافة متوارثة في أبنائه.

لا يقدم الأزمة الدستورية حلولا، وهو ليس مطالبا بها بالنظر إلى أنه جهد فردي، إلا أنه يكشف عن خبايا وسر تراجعنا في مجال الحريات العامة والسياسية بسبب شعارات المحافظة على الوحدة، أو وضع الشعوب في حالة اختيار بين الطغيان أو الفوضى، وهو الخيار الذي استنسخه كل ظلمة العرب من الأمويين.

 لقد زاحم الشنقيطي بكتابه ونماذجه التفسيرية للأزمة السياسية الإسلامية والعربية أمهات كتب الفقه السياسي الإسلامي التي رسخت للاستبداد ولم تشن عليه حربا فقهية ورضيت به، وإن على مضض.

ما أظنه هو أن القارئ صاحب المزاج الهادئ والرصين والمقيد بمقولات فقهية قديمة، سيصاب بهزة عنيفة داخل ضميره بعد قراءة كتاب النشقيطي، وهو أمام إما خيار الرفض وغض الطرف، أو المراجعة العميقة ومحاكمة كل مقولات كتاب الأزمة وفق السياقات السياسية والتاريخية التي نشأ فيها الفقه السياسي الإسلامي وتأثره الشديد بالفتنة الكبرى.

على هذا القارئ أن يطرح جانبا تحذيرات الكثير من الفقهاء الذين سعوا على مدى قرون إلى تحصين أفعال الصحابة رضوان عليهم السياسية، إذ لا يمكن بأي حال معرفة منبت وأصل العوج إلا من خلال رفض هذا التحصين. ويا ليتهم حصنوا القيم السياسية بدل تحصين أفعال ظرفية أريقت فيها دماء كثيرة.

أشعر بأنني في حاجة ماسة وشديدة إلى قراءة كتاب الأزمة الدستورية أكثر من مرة، إذ كل نماذجه التفسيرية ” التأمر في الأمير” أي تحكم الشعب فيه واختياره بإراداته، و “التأمر عن غير إمرة” أي الحكم العضوض وثنائية “القيم والإجراءات” و “الوحدة والشرعية” و”الذات والآخر” و “الفتنة والثورة” و “الدين والدولة” و “الطغيان والفوضى” تضع الحضارة الإسلامية في جانبها السياسي على مشرحة العقلنة التي يرفضها كثير من المسلمين بحجة التقوى المزيفة والوحدة الأشد زيفا.

إن نقد الشنقيطي للسلوك السياسي الإسلامي من لدن معاوية وانتهاء بموجات الربيع العربي التي سلت سيفها على الحكام، إلا أنها لم تصل بعد لصيغة نمذجة القيم في مؤسسات واضحة، إن هذا النقد لهو من أعمق النقود في زمننا المعاصر. حيث أن المس بقدسية التاريخ الإسلامي يعد لدى كثيرين من الأتقياء المزيفين مروق من الملة وخروج على أصول الدين والاجتماع.

لذا لا أظنني مبالغ إذا ما انتهيت إلى أن  كتاب الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي هو كتاب العشرية الجارية في قرننا الحاضر.

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك

التدوينة الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي.. كتاب العشرية الثانية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي.. كتاب العشرية الثانية”

إرسال تعليق