طرابلس اليوم

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

سوق ليبيا المفتوح

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

 

سنوات من الصراع ، حتى بات الصراع متجانساً مع يوميات حياتنا ، يستفيق معنا صبحاً ويغفل معنا ليلاً ولا ينفك يتركنا ظهيرة ومساءاً ، صراع تغذيه مبررات حمقاء بأيدي مواطنين أشد حمقاً بل ربما أشد خيانة ، فلا تبرير لما يحدث والحلول للأزمة تتناثر هنا وهناك إلا أن نقول وسط هذا الكم الهائل من التخاذل أننا في زوبعة خيانة .

 

الأزمات وتعرفونها جيداً لا تكاد تغيب عن ناظري أحدنا ، ولكن هل تعرفون تلك الأيادي التي تخون ؟! تلك الأيادي التي اعتادت أن تبيع رخصة ليبيتها وتستخدمها فيما لا يخوله القانون لها ، رخصة تؤكد أنه ليبي باللكنة واللهجة وطريقة الأكل والشراب ولكنها لا تمت للروح الليبية بصلة ، فتلك البراهين على ليبيته كافية من أن تجعله ناعقاً للخراب باسم جنسيته فتبيح له بيع الوطن فهو من ملاكه !! .

 

ما يجعل من أزماتنا تتكاثر وتكبر ككرة الثلج هو وجود مرابين للوطن ، تجار يبيعون كل ما من شأنه أن ينادى به على أرصفة العالم للبيع ، وكلها بضاعة ثمينة ويا ليتها تباع في أسواق محترمة – إنها تباع على الرصيف ، ينادي البائع كما في سوق الخضار يوم الجمعة (( تعالى يا بو العيلة – سرحنا يابوي –  اللي الصبح بثلاثة خوده توا بدينار )) .

 

هؤلاء الباعة يمتلكون بعضاً من أسهم الوطن ( عنوة ) أكثر من مواطنين أخرين ، فبعضهم يمتلك وزارات وأخر موانئ وهنالك من امتلك حقولاً نفطية وبعضهم القليل امتلك رقاب الناس وهي أيضاً بضاعة تستحق العرض على الرصيف .

 

يفترش هؤلاء القلة المتحكمة في مصير الكثرة أرصفة في عواصم العالم ، أحدهم يضع نصبة كتب عليها تخفيضات في سعر برميل النفط ، وأخر يفترش وزارتين يبيع فيها بالتجزئة ملحقيات خارجية وعقود عمل وهمية ، وزميله وهو عدوه في الصنعة يبيع ما تبقى من تراث وهوية وثقافة يستبدلها بعادات وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ولا رسوله ، وهناك بضاعة أخرى فكل ما في البلد أصبح للبيع ، الكل يبيع والثمن واحد ، هو امتلاك ليبيا من بابها لمحرابها ، والجميع تكفل بزيادة أمد الصراع والجائزة الكبرى ستكون لمن يصيح عدوه الليبي من عضته أولاً فالجميع سيتحمل الألم (( الذي يصيح منه المواطن )) مقابل أن يحظى بمفتاح الباب الرئيسي للقصر الليبي .

 

أما يا سادة يا كرام فالمشترون !! هم (( المسيو والمستر والسنيور والباشا وطويل العمر )) ، يقلب هؤلاء البضاعة كما يقلب رب أسرة طماطماً يخاف أن تضر صحة أبنائه فيطمأن لجودتها ، (( وهل يوجد أطيب من الطماطم الليبي ؟! – يقول البائع )) .

 

ولتطوير التسويق وجعله أكثر نفوذاً لعقل المشتري فلا بأس من استخدام لغة أكثر دناءة كأن يقول أحد البائعين لأحد المشترين (( أنا مع مصلحة مصر حتى لو ضد ليبيا )) ويقول آخر (( من لا يشكر قطر فهو أقل وفاءاً من الكلب )) .

 

يا سادة – يا  من لم ترو يوماُ السيادة ، سلمنا من بائع كبير يدعى القذافي إلى باعة كثر أسمائهم كذا وكذا وكذا ، والكل بمن فيهم من يعجبك قولهم لا فعل لهم (( إلا من رحم ربي )) يفترشوننا ويعيثون في مدد صلاحياتنا عبثاً ، فبعض بضاعتنا كاسدة ولكنها تسوق على أنها طازجة ، وبعضها طازج يستبدل بحليب مخلوط بماء .

 

وإن لم يجد الحل إلينا سبيلاً بعد أن عجزنا أن نجد نحن له طريقاً ومسلكاً ، أخشى ما أخشاه أن تباع ليبيا (( على العظم )) في سوق لا يفتح يوم الجمعة .أزماتنا تتزايد وتكبر ككرة الثلج

التدوينة سوق ليبيا المفتوح ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “سوق ليبيا المفتوح”

إرسال تعليق