طرابلس اليوم

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

هل أنقذت فبراير ليبيا؟

,

عبد السلام الراجحي / كاتب ليبي

 

في العشرين من شهر أغسطس تمر الذكرى السابعة لسيطرة قوات ثورة فبراير على طرابلس وهروب القذافي من العاصمة، ولم يبقى إلا رجالاته الذين لم ينشقوا عنه كما فعلت غالبية قياداته، ليؤرخ العشرين من أغسطس نهاية النظام الجماهيري وسلطانه الدامي الذي استمر لأكثر من أربعة عقود.

 

وقد كانت طرابلس مركز حكمه، ولا نجاح لأي ثورة إلا بالسيطرة على عاصمة البلاد، وجاءت تكلفة السيطرة على طرابلس بعكس كل التوقعات مسجلة خسائر أقل سواء في الأرواح أو في البنى التحتية، وكانت خطواتها سريعة جدا وفي وقت قياسي لم يكن في خيال أي أحد أن تتم تحرير العاصمة معقل القذافي السياسي والأمني في أقل من خمسة أيام.

 

حلت ذكرى تحرير طرابلس وفتح معها ملف نقاش أعتاد الليبيين عليه خلال السنوات السبع الماضية، فهل كانت فبراير ثورة وجاءت بالخير على البلاد والعباد؟.. أم أنها نكبة وشر على الجميع؟،.. فالكثير من المحللين والمهتمين بالشأن الليبي وأيضا من تبقى من قيادات نظام القذافي الذين لم يعلنوا انشقاقهم عام 2011، عزوا ما وصل إليه حال البلاد لثورة فبراير التي أنهت منظومة القذافي،

 

ويعمل إعلام ما تبقى من قيادات النظام الجماهيري ليلا نهارا والذي ينشط بالعاصمة المصرية القاهرة بكل حرية وبتمويل دولة الإمارات العربية المتحدة، متهما فبراير فقط بكل ما حدث ويحدث في البلاد من صراعات مسلحة وشبه انهيار للمنظومة الأمنية والعسكرية، وانتشار الفوضى والسلاح والصراعات القبيلة والجهوية، وظهور التنظيمات المتطرفة وأخرها نشاط تنظيم الدولة “داعش” الإرهابية وأنصار الشريعة.

 

قد يقول متابع للشأن الليبي نعم ثورة فبراير هي وحدها المسؤولة عما يحدث، وأعتقد أن هذا المتابع لا يعد أن يكون أحد صنفين من الناس فإما أنه أضحى مهتما ومتتبعا للشأن الليبي وكواليس بعد فبراير فقط، أو أن مصدر معلوماته عن قضايا الشأن الليبي فقط من قناتي الجماهيرية، وليبيا 24، ومواقعي بوابة إفريقيا والمتوسط الإلكترونيتين.

 

وهنا أود أن أرسم سيناريو مخالف للحالة الليبية التي شهدت التغيير الكبير في فبراير، ولنتصور معا أنه لم يحدث في ليبيا أي تغيير، وظل الوضع كما هو عليه حتى العشرين من شهر أكتوبر 2011، وجاءت زوجة معمر القذافي السيدة صفيه فركاش لتوقظ زوجها لصلاة الظهر ووجدته ميتا في فراشه ببيته الصامد بباب العزيزية.

 

“ويجب أن يعلم من يقرأ هذه السطور أن القذافي بشر وليس ملاك، وأنه يمرض وأيضا يموت، وأن كنت لا تعتقد أن القذافي يموت فهذا شأنك ورأيك وأعلم أن هذا المقال ليس موجه لك”.

فمات القذافي، فمن هي الشخصية وما الصفة التي ستحل مكانه وتتولي مهامه؟!

 

فبحسب القانون الليبي وقرارات المؤتمرات الشعبية والوثيقة الخضراء الكبرى للحقوق الإنسان ونقاط زوارة الخمس والكتاب الأخضر ومئات الكتب في شروحاته، لا توجد إجابة لهذه المعضلة، فالقذافي شخصية تاريخية لا ولن تتكرر في ليبيا  وهذا أمر مفروغ منه لدي أنصاره وقياداته.

 

إذاً لا يوجد طريق لمليء الفراغ الذي يخلفه القذافي في حالة موته أو غيابه، وقد يقول قائل أن أحد أبناء الزعيم القذافي هو من سيخلفه، رغم أنه لا يوجد نظام التوريث في النظام الجماهيري البديع، إذاً من سيكون وما هو رأي باقي أشقائه؟.

 

وكان أبناء القذافي منقسمين، وكانت هذه اللحظة ضمن حساباتهم يوم موت والدهم، حيث كان الأبناء موزعين معسكرين، فالأول بقيادة سيف الإسلام القذافي وله مشروعه “ليبيا الغد” بدعم شقيقيه الأصغر هانيبال والعسكري برتبة نقيب خميس قائد اللواء 32 معزز، إضافة إلى عدد من قيادات النظام السابق المعتدلين، والمعسكر الثاني يقوده المعتصم القذافي وكان شقيقه الساعدي داعم له كما هو حال صقور اللجان الثورية من أمثال أحمد إبراهيم والطيب الصافي وهدى عامر وخصوصا قيادات جرائم 7 أبريل والرجل القوي عبدالله السنوسي.

 

ولكل معسكر علاقات مع دول الجوار، فسيف الإسلام له علاقة جيده مع الجزائر، ومعتصم تربطه علاقة مع مصر، وكل معسكر له كتائبه الأمنية القوية وكل طرف يرى في نفسه هو الأحق بميراث سلطان أبيه.

 

الصراع بين أبناء القذافي بدأ في 2008، وأحد تجليات الصراع ما عرف بـ”بيبسي – كوكا كولا”، حيث تحصل سيف القذافي على حصة ترخيص مشروب “بيبسي”، ومعتصم على حصة ترخيص مشروب “كوكا كولا”، وكانت منتجات “بيبسي” تستحوذ على نصيب الأسد من السوق الليبي، ما أغضب ذلك المعتصم كثيرا محاولا إيقاف مصنع “بيبسي”، لكن سيف كان له بالمرصاد، فضلا عن صراع شركة ليبيانا للهاتف المحمول، حيث قام المعتصم باعتقال مدير الشركة فتحي خالد  واحتجازه لأيام وتعذيبه وهو خال محمد ابن القذافي من زوجته الأولى، وبعد تدخل معمر القذافي أطلق سراحه.

 

وفي صراع بين المعسكرين في من يستقبل صاحب الشركة الأكبر في البرمجيات  وأحد أغنى رجال العالم “بيل قيتس” في زياته وأسرته إلى مدينة لبدة التاريخية عبر يخته في إطار جولته حول دول البحر المتوسط، ليقوم “قيتس” بإلغاء الزيارة بعيد وصوله إلى الميناء بسبب صراع وضرب بالأيادي والسلاح بين حراس الشقيقين سيف ومعتصم، وكان كليهما يريدان أن يستأثرا باستقباله عن الآخر.

 

فهكذا كانت طبيعة تعامل الأشقاء فيما بينهم، ناهيك عن نصب المكائد لبعضهم البعض، كما حدث عندما هرب المعتصم إلى القاهرة خوفا من عقوبة والده، وكذلك سيف الإسلام عندما استحوذ على مؤسساته الإعلامية من قنوات وصحف وهروبه إلى لندن وتأسيس قناة المتوسط هناك، وكان نظام والده يشوش عليها.

 

الصراع بين أبناء القذافي للاستحواذ على سلطان والدهم سيكون كارثي وخصوصا للسيطرة على العاصمة طرابلس، وماهي سوى ساعات فقط بعد إعلان موت القذافي ليحدث انفلات أمني كبير في كل المدن الليبية، ويتم الهجوم على مخازن السلاح التي بها أكثر من 35 مليون قطعة سلاح بينهم 13 مليون بندقية “كلاشنكوف” سهلة الاستعمال، ولا ننسى المدن والقبائل المتربصة بالسلطة والتي ترى أن أبنائها هم الأحق بها، ولن يجتمع الليبيين على جسم بديل لسلطة انتقالية كما حدث في 2011 مع المجلس الانتقالي.

 

قد يقول قائل أن النظام سيكون يوم موت القذافي متماسك وسيظهر بديل عنه في ساعات أو أيام قليلة فقط، لكن ما حدث من انشقاقات وهروب قيادات النظام السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والمالية والقضائية والاستخباراتية بعد انطلاق ثورة فبراير، فمئات من القيادات أنشقت وهربت من البلاد من أمثال مبارك الشامخ، وعبدالفتاح يونس، وعبدالرحمن شلقم، وموسي كوسا، وعبدالرحمن العبار، وفرحات بن اقداره.

 

وقد يقول آخر أن الحكومة الصديقة للقذافي ستتدخل للمساعدة في ترتيب البيت الداخلي لورثة القذافي، وهنا نستطيع تقيم ما نوع هذه العلاقة أو الصداقة، فبعد الثورة لم يجد القذافي أي حكومة أو بلد يساعده، بل أن صديقه الرئيس الفرنسي أنذلك ساركوزي، ونظيره الإيطالي برلسكوني، والرئاسي التركي أردوغان، كانوا هم من أكثر الدعمين لإسقاط نظام القذافي.

 

أنا لا أستطيع تجاهل أو إخفاء الحالة الصعبة والتحديات التي تمر بها بلادنا، ولكن الوضع كان سيكون أشد سوء بعشرات المرات من الوضع الحالي، فبلد فيه السلاح أكثر من أقلام الحبر وأجهزة الكومبيوتر، ولا يوجد به دستور ونائب لرئيس، لن يكون وضعنا بعدما مات حافظ الأسد ليجد الوريث حزبا واحدا حقيقيا ييسر له الحصول على السلطة، لن يكون وضعنا مثل تونس بعد هورب بن على حيث هناك دستور ينظم السلطات وجيش وطني يحمي الدستور لا طمع له في السلطة ولا مؤسسة عسكرية حاكمة ومسيطرة كما حدث في مصر بعدما تخلي حسني مبارك عن السلطة ليتولى المجلس العسكري بديلا عنه.

 

ولكنه بعد سنوات سبع على تحرير العاصمة لم تنجح فبراير حتى الآن في تحقيق مشروعها الكبير دولة دستورية ديمقراطية دولة المؤسسات، لكن فبراير نجحت في الحفاظ على ليبيا وأنقذتها من تيه الأربعين و حرب أهليه تأكل اليابس قبل الأخضر، حرب ستكون محوره الأول وانطلاق شرارتها عاصمة الليبيين طرابلس، كما حدث في عاصمة لبنان بيروت، حرب قد تتوقف فقط عبر تدخل قوات حفظ سلام عربية أو إفريقيا أو أممية، وتجارب هذه النوع من القوات في أحداث مشابه كانت كارثية، فبراير أنقدت ليبيا من فوضى القذافي الدامي حيا وميتا.

 

التدوينة هل أنقذت فبراير ليبيا؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “هل أنقذت فبراير ليبيا؟”

إرسال تعليق