طرابلس اليوم

السبت، 25 أغسطس 2018

رجاءً، حتى تتجنب “سوق الجمعة” المصير

,

إبراهيم موسى قرادة/ كاتب ليبي

مقدمة لا بد منها..

منطقة “سوق الجمعة” تلاصق شرقا مدينة طرابلس، وبحكم توسع طرابلس أصبحت امتداداً متواصلاً معها. ولسنوات كان أهالي سوق الجمعة من أصلائها، ليحدث التداخل بقدوم وتوطن وسكن غيرهم معهم. اتصفت وامتازت سوق الجمعة في الذاكرة بأنها رصيد طرابلس باعتبارهم الأقرب، وبأنها ريف وبستان ومتنفس طرابلس، بالنظر إلى أن “الطرابلسية” تتجه أنظارهم غالبا شرقاً نحو الشط الشرقي وسوق الجمعة وتاجوراء.

 

منذ تنفيذ الترتيبات الأمنية بطرابلس في بدايات سنة 2016 زاد وتضخم دور وحجم ونفوذ وسطوة وسلطة “قوة الردع الخاصة”، التي منشأها الأصلي سوق الجمعة وعمادها المحوري سكان سوق الجمعة.

 

قوة “قوة الردع الخاصة” ومجالها الأساسي الحالي هو شرق طرابلس، ومركزها “معيتيقة”، المطار المدني المتبقي الوحيد في طرابلس، والقاعدة الجوية العسكرية الأكبر في ليبيا ومقر قيادة سلاح الجو. تقع وتبسط معيتيقة مساحتها وتتداخل بين سوق الجمعة وطرابلس. يمتد ويشمل نطاق قوة الردع الخاصة الفعلي، ومعها حلفائها أغلب شرق مدينة طرابلس، من حدود ميناء طرابلس حتى معيتيقة. وذلك يشمل مؤسسات مهمة، منها المصرف المركزي وقيادة القوات البحرية في قاعدة أبوستة، والأخيرة كانت المقر الأساسي للمجلس الرئاسي، قبل انتقاله لطريق السكة.

 

وهكذا، فبعد عمليات فجر ليبيا، ومنذ تنفيذ الترتيبات الأمنية، بدايات 2016، والتي أدت إلى خروج وتقليص حضور ودور الجماعات المسلحة الجهوية، ومنها المنتمية لمصراتة والزنتان والأمازيغ من وفي طرابلس الكبرى. هذا الانكماش والانسحاب شمل كذلك جماعات مسلحة أخرى معارضة للاتفاق السياسي. مع بقاء وتواجد الطرفين في محيط طرابلس أو كجيوب ساكنة ومتربصة ومشتتة في داخل طرابلس الكبرى.

 

مع أهمية الانتباه أن انسحاب هذين الطرفين (القبلي الجهوي، والسياسي الرافض) لم يكن نتيجة ضعف واختلال في ميزان القوى الداخلي في طرابلس وغرب ليبيا، بل جاء تحصيلاً لإكراهات وإرغامات خارجية، تترواح بين التلويح بالعقوبات الدولية، وسمعة الطائرات بدون طيار.

 

وكواقع معاش انقسمت طرابلس إلى عدد محدود من المحميات تتبع جماعات مسلحة، وهذه الجماعات المسلحة تقوم بدور ووظيفة الحارس والحامي والمتسلط و”القباضي” داخل نطاقها، مع تمتعها بغطاء، حولته من مؤقت إلى مستديم، لمقاومتها وتدخلها في العمل المؤسسي، لأنها تراه يقلص دورها.

 

تكيف وتأقلم ورضى أغلب سكان طرابلس بذلك، لأن غياب الجماعات المسلحة الطرابلسية المحلية من الساحة، سيكون بديله انفلات عقال الإجرام مرة أخرى. مع جهد تمارسه أغلبية الناس لتفادي وإتقاء ومدارة هذه الجماعات المسلحة ابتعاداً عن مشاكل وتعقيدات ومعاناة خصامها. غير أن جزءا لا بأس به من شرائح رجال الأعمال والتجار والساسة والمثقفين والبيروقراطيين تحس وتعيش الخوف والاختناق والتضييق بسبب رقابة وتدخل وابتزازات وإتاوات مفروضة ومستحقة مع وجود اختلاف في درجة القبول والخوف من هذه الجماعات.

 

الآن سكان طرابلس الكبرى وكل الغرب الليبي حتى الحدود والجبل لا توجد جلسة أو نقاش إلا وكانت قوة الردع الخاصة وسوق الجمعة من ضمن الحديث، لأن قوة الردع الخاصة تقوم بدور الشرطة والأمن والقبض والتحقيق والسجن، ولأنها تسير مطار معيتيقة، ولأنها تحرس عدة مؤسسات، ولبروز تيار سلفي متشدد (يعرف محليا بـ: المدخلي) ضمنها..

 

العديد من الرأي يشبه ويقارن بين سطوة قوة الردع والحرس الثوري الأخضر، وبين تمكن قلة من أهالي سوق الجمعة بتمكن قلة من بعض القبائل في الماضي. غير أن الفرق، أنه في السابق كانت هناك سلطة مركزية قوية ذات انضباطية وتراتبية معروفة، وأنه في السابق المجال الخطر المحظور كان يقتصر وينحصر في تهديد نظام الحكم وأسرته فقط، مع ترك باقي المساحات.

 

شخصياً، أعرف جيداً أن التعميم أكبر الأخطاء وأنه أثقل الخطايا عندما يتعلق بالبشر، وشخصياً عرفت وعاشرت وصادقت منذ سنوات طويلة العديد من سوق الجمعة، وهم تماما كغيرهم من الليبيين، تسود وتغلب فيهم وعليهم النخوة والطيبة والوطنية. وأعرف كذلك أن “المدخلية” منتشرة في كل ليبيا، لكن الرأي العام من طبيعته التعميم، وله قول آخر.

 

الرأي العام في طرابلس وغرب ليبيا، يقييم متوجعاً من سطوة سوق الجمعة، صحيح أن جزءا كبيرت ممتن لما تقوم به قوة الردع الخاص من مكافحة الجريمة وتعقب المجرمين. لكن الرأي العام يتجه نحو الانقلاب. لأنه قبل بدور قوة الردع الخاصة لملء الفراغ السابق مؤقتاً، لا أن تحل محل المنظومة العدلية.

 

كما أن الرأي العام رافض وخائف ومتخوف جداً من انتشار وتوسع وسيطرة التيار المدخلي (الذي تنسب حمايته لقوة الردع الخاصة، التي تتخذ من سوق الجمعة حاضنة أولية). والعديد يتوقع متوجسا أن الصدام الدامي قادم معهم، بالنظر إلى طبيعة رؤيتهم المجتمعية والتي يسعون لتعميمها.

 

أي اختلال في ومع سوق الجمعة لا يمكن تطويقه، إلا بتكلفة باهظة.

 

الرأي السابق يشاركني فيه العديد والعديد ممن التقي وأتابع، غير أنهم يصمتون في التصريح لأسباب معروفة ومقدرة. كما أتمنى متعشماً، التفاعل الموضوعي بدون إصدار وتطبيق أحكام مسبقة. وهو رأي ليس مطلق وقابل للتعديل.

 

وهكذاً واختصاراً، وبكلمات إنسانية ووطنية، استعطف مشفقاً ومحباً، أهلنا في سوق الجمعة، وبالأخص حكمائهم وأعيانهم ومثقفيهم وشيوخهم أن ينتبهوا وينبهوا، أن يستدركوا ويدركوا قبل فوات الوقت، فلا الوطن ولا سوق الجمعة تحمل أو تستحق، وخصوصاً أننا في مجتمع قبلي والدولة ضعيفة والسلاح منتشر والخارج يكيد أو يستغل.

 

أعرف أنني دخلت حقل ألغام، ثمنه مدفوع وسيدفع.

 

اللهم احفظ سوق الجمعة التي نحب وتريد، وأجمع قلوب الليبيين على محبة بعضهم.

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك

التدوينة رجاءً، حتى تتجنب “سوق الجمعة” المصير ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “رجاءً، حتى تتجنب “سوق الجمعة” المصير”

إرسال تعليق