طرابلس اليوم

الخميس، 23 أغسطس 2018

ديمقراطية عرجاء في ليبيا: انتخابات تفتقر إلى وجود مؤسسات

,

المصدر: مدونة لوفار الأمريكية

الكاتب: ريانون سميث وجايسون باك

عادة ما يتم تنظيم الانتخابات لتسهيل عملية انتقال السلطة دون عنف. كما تهدف الانتخابات إلى تنظيم مسابقات سياسية بين مجموعة من القوى الاجتماعية والسياسية المتعارضة، الذي تم تكوينها وفقًا للقوانين، والسوابق التاريخية، والعوامل الثقافية للبلد الذي تُجرى فيه. لكن، ليست الانتخابات سوى وجه واحد للحكم الديمقراطي، حيث يجب أن يدعمها إطار مؤسسي متماسك من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة. في الحقيقة، تتطلب الانتخابات نظاماً قضائياً يمكن أن يفرض المساءلة، ونظام تعليم يشجع على حرية الفكر، وهيكل أمني يسمح للمواطنين بالتصويت دون خوف على حياتهم.

إذا، ما الذي يحدث عندما تخطط دولة ما لإجراء انتخابات، لكنها تفتقر إلى المؤسسات التي يمكن بناء نظام حكم فعال لها، والإطار القانوني لإنشاء قواعد اللعبة الانتخابية، ناهيك عن حكومة ذات سيادة للإشراف على العملية التقنية للانتخابات وتنفيذها؟ مرحبًا بكم في ليبيا المعاصرة.

انتخابات دون مؤسسات

كان الهدف من الاتفاق السياسي الليبي، الذي تم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات بالمغرب، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2015، وضع إطار سياسي معترف به دوليًا يسمح للفصائل والمؤسسات السياسية المتنافسة في ليبيا بالعمل سويا لإنشاء حكومة وحدة مؤقتة، التي تُعرف باسم حكومة الوفاق الوطني.

وكانت الخطة التي تخدم مصالح حكومة الوفاق الوطني، التي تحظى بدعم من الهيئة التشريعية للاتفاق السياسي الليبي، ومجلس النواب، تهدف لإجراء استفتاء وطني حول مسودة الدستور التي وضعتها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي. ومن ثم، ستتبع الانتخابات الوطنية المستندة إلى هذا الدستور الليبي المصادق عليه خطوة أخيرة من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق فترات “انتقالية” متعددة في ليبيا (حكومة انتقالية)، والتي بدأت خلال سنة 2011 مع الإطاحة بمعمر القذافي.

لكن، حدث تقدم سريع بعد سنتين، إذ أخفق مجلس النواب في الموافقة على حكومة الوفاق الوطني أو المصادقة على الاتفاق السياسي الليبي (التي تمثل الخطوات الضرورية للدخول حيز التنفيذ). أما خطة العمل الجديدة لليبيا، التي تم التخطيط لها خلال شهر أيلول/سبتمبر 2017، من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، وتتضمن تعديل الاتفاق السياسي الليبي، فضلا عن تنظيم “المؤتمر الوطني”، وإجراء الانتخابات، فقد توقفت.

لذلك، كان من شأن استضافة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لقمة ليبيا في باريس في 29 آيار/ مايو، التي أسفرت عن موافقة زعماء ليبيا المتنافسين على إجراء انتخابات “سلمية وذات مصداقية” هذه السنة، أن تغفر تفسير المراقبين لذلك على أنه علامة فارقة في طريق ليبيا نحو إرساء نظام حكم شرعي. وفي الواقع، سيكون إجراء انتخابات حرة ونزيهة، التي قد تنشأ عنها مؤسسات ليبية مشروعة لا يمكن تجاوزها، تطوراً إيجابياً كلياً للدولة المنكوبة التي تعاني الكثير من الانقسامات.

العراقيل أمام إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا

على الرغم من الضجة التي أثارها هذا الاتفاق في فرنسا، إلا أن هناك مخاوف حقيقية بين القوى الأخرى من أن الدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة سيجعل عملية السلام أصعب إذا لم يتم الاتفاق أولا على “قواعد اللعبة”. وتشمل هذه القواعد وضع إطار قانوني واضح غير متنازع عليه يحدد صلاحيات ومسؤوليات من سيتم انتخابهم، ويوفر الاستقرار والأمن الذي يسمح للمواطنين بالتصويت وتنظيم حملات انتخابية بحُرية، وربما الأهم من ذلك، التزامًا حقيقيًا من جميع الجهات الفاعلة المعنية بقبول نتائج انتخابات.

وقد جمع مؤتمر باريس الرؤساء الثلاثة للكيانات السياسية الشرعية في ليبيا الذي وافقوا على الاتفاق السياسي الليبي وهم رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج (السلطة التنفيذية)، ورئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح عيسى (السلطة التشريعية)، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، جنبا إلى جنب مع المشير خليفة حفتر (السلطة العسكرية)، قائد قوات الجيش الوطني الليبي، التي تسيطر على شرق ليبيا.

وقد اتفقوا على وضع “الأسس الدستورية” للانتخابات بحلول 16 أيلول/سبتمبر 2018، وإجراء الانتخابات بحلول 10 كانون الأول/ديسمبر 2018، وتعهدوا باحترام نتائج هذه الانتخابات. وعلى إثر ذلك، تمت المصادقة على البيان النهائي المؤلف من ثماني نقاط، ولكن لم يتم توقيعه من قبل الرجال الأربعة. وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق باريس، كما هو عليه في الوقت الحالي، يتضمن العديد من الثغرات التقنية والسياسية المهمة.

أولاً، لم يتم التوصل إلى اتفاق في باريس حول الأساس الدستوري لهذه الانتخابات، وما إذا كان سيتم إضفاء طابع رسمي عليه من خلال تعديل التشريعات القائمة أو الموافقة على دستور جديد. ونتيجة لذلك، قرر مجلس النواب متابعة هذه المسألة، وصياغة تشريع لإجراء استفتاء دستوري. ومع ذلك، اضطر البرلمان مرتين إلى تأجيل جلسات التصويت، التي عقدت في أواخر شهر تموز/يوليو ومنتصف شهر آب/أغسطس، بعد أن دخلت الجلسات في حالة من الفوضى.

وخلال الجلسة الأخيرة التي عقدت في 14 آب/أغسطس، تم التوصل إلى توافق في الآراء لتمرير التشريع المتعلق بالاستفتاء شريطة إدخال تعديل لأول مرة على الإعلان الدستوري لسنة 2011 (دستور ليبيا الحالي). وهذا ما من شأنه أن يتطلب إضافة مادة تنص على وجوب الحصول على أغلبية الثلثين من الأصوات، والموافقة على الدستور من قبل 51 بالمائة من الناخبين في كل من المناطق الثلاث في ليبيا (طرابلس، برقة، فزان).

في المقابل، هناك حاجة إلى 120 صوتًا لإجراء تعديل دستوري. لكن، نظرا إلى أن مجلس النواب لم يتمكن إلا من حشد حوالي 90 من أعضائه الأصليين، البالغ عددهم 200 نائب، في جلسات التصويت الأخيرة، فإن تحقق ذلك يكاد يكون شبه مستحيل.

ثانياً، لم يتم الاتفاق في باريس على أي إطار إداري لتنفيذ هذه الخطة الطموحة، ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن إجراء استفتاء قابل للتطبيق حول التشريعات المهمة؛ على غرار الدستور، في غضون شهر واحد فقط، حتى لو كانت هناك تشريعات موضوعة. فعلى الرغم من إعادة فتح عملية تسجيل الناخبين منذ بداية سنة 2018، إلا أنه لم يتم إلى حد الآن تسجيل سوى 53.26 بالمائة من الناخبين المحتملين، ولم يتم وضع أي إجراءات بعد لتسجيل المرشحين في الانتخابات المقبلة. وحتى في حال تم إجراء استفتاء في إطار زمني أوسع، فسيكون احتمال المصادقة على مسودة الدستور ضعيفا نظرا لأن الحد المسموح به للموافقة مرتفع جدا. وقد أعربت العديد من الطبقات الاجتماعية عن مخاوفها بشأن هذه المسودة.

ثالثاً، وعلى الرغم من الالتزام الهش بإجراء الانتخابات في ليبيا هذه السنة، إلا أن الركائز السياسية التي من شأنها أن تسمح للانتخابات بلعب دور توافقي بين الصراعات الاجتماعية والسياسية بدلا من إبرازها، غائبة تماما. ولا يمتلك الناخبون المحتملون أي فكرة عن نوع هيكل الحوكمة الذي سيؤيدونه عند ذهابهم إلى صناديق الاقتراع، في حين أن المرشحين المحتملين يمكنهم ممارسة السلطة السياسية فقط ويعود ذلك لعدم امتلاكهم برنامجا سياسيا مشتركا أو عقدا اجتماعيا لتشكيل حملاتهم. بعبارة أخرى، ستركز الحملات الانتخابية على الأفراد وليس القضايا، مما سيدفع بالانتخابات، على الأرجح، إلى تعميق الانقسامات على الأسس الإقليمية والقبلية بدلا من إيجاد حلول لها.

وقد اعتُبر المؤتمر الوطني الذي أطلقه غسان سلامة كخطوة للانطلاق في إنشاء رؤية مشتركة لليبيا من خلال عقد سلسلة من الاجتماعات البلدية في جميع أنحاء البلاد. وقد عُقد عدد من الاجتماعات التي شهدت بدورها بعض التجاذبات. ومع ذلك، وكما هو الحال مع بقية العمليات السياسية في ليبيا، هناك افتقار كبير للوضوح حول الكيفية التي يمكن أن تغذي بها نتائج هذه الاجتماعات إطارًا سياسيًا ملموسًا. وبالتالي، يخشى الكثيرون من أن يكون المؤتمر الوطني مجرد مكان للثرثرة يُمكّن كلا من الأمم المتحدة أو الفصائل الليبية المتنافسة من انتقاء مشاعر “شعبية” لتتلائم مع أجندات سياسية معينة، على غرار إجراء انتخابات رئاسية، دون إحراز أي تقدم نحو أي شكل من أشكال الاستدامة والرؤية المشتركة للبلاد.

الانتخابات كمحرك للصراع

أدى الوعد بإيجاد طريق جديد للسلطة السياسية، الذي يتمثل في الانتخابات، دون أي وضوح بشأن أدوار ومسؤوليات الفائزين فيها ما يعني الافتقار لأساس دستوري متفق عليه، إلى صراع كبير بين السلطة والنفوذ في ليبيا، وخلق دوافع جديدة للصراع التي تعمق أحيانا الانقسامات القائمة. وإذا عقدت الانتخابات، يمكن للفائزين أن يلعبوا دور أصحاب النفوذ الجدد المعترف بهم دولياً خلال السنوات القادمة، دون وجود إطار سياسي واضح وقابل للتنفيذ يحدد ما تستلزمه سلطتهم.

في الواقع، ينبغي أن توضح القراءة الخاطفة لتاريخ ما بعد القذافي في ليبيا أن هذا الأمر قد نشأت عنه مخاطر أدت بدورها لجعل الخاسرين في الانتخابات يشعرون بأنهم محرومون من حقوقهم بشكل دائم وهذا ما يجعلهم يثورون عسكريا ضد الفائزين. ونتيجة لذلك، تتمثل الأولوية بالنسبة لمعظم أصحاب المصالح في ليبيا في ضمان الإيفاء بأي صفقة جديدة يتم الاتفاق عليها، وتشجيع دمج القوى العسكرية وفي المحاولات الانتهازية للاستيلاء على الموارد الطبيعية قبل الانتخابات.

أما بالنسبة للجهات الفاعلة التي لديها القدرة على الوصول إلى السلطة والثروة، إما بسبب الشرعية التي يمنحها لها إطار الاتفاق السياسي الليبي أو من خلال سيطرتها الفعلية على البنية التحتية الرئيسية أو المؤسسات أو الموارد، فإن الأولوية بالنسبة لها تتمثل في ضمان عدم فقدانها القوة والشرعية في حال إجراء الانتخابات. وبالنسبة للأطراف الفاعلة المستبعدة حاليا من السلطة، تتمثل أولويتها في زعزعة الوضع الراهن من أجل الاستيلاء على قدر أكبر من النفوذ قبل الانتخابات أو لتأخير أي عملية انتخابية وتقويضها، نظرا لكونهم يستطيعون الحصول على المزيد من السلطة والموارد في ظل بيئة غير مستقرة.

ويمكن تفسير العديد من التطورات الهامة التي شهدتها ليبيا على مدى الأشهر القليلة الماضية على أنها مظهر من مظاهر آثار زعزعة استقرار الخطاب الانتخابي. فقد قام قائد الجيش الوطني الليبي، الجنرال حفتر، بمحاولاته الأخيرة لتعزيز وتوسيع قوته العسكرية ونفوذه السياسي في شرق ليبيا في الفترة التي تسبق الانتخابات من خلال “تحرير” مدينة درنة من قبضة الجماعة الجهادية التي سيطرت عليها لعدة سنوات.

وفي حزيران/يونيو، حاول إبراهيم الجضران، قائد قوات حرس المنشآت النفطية الليبية السابق، الاستيلاء على موانئ النفط التي تسيطر عليها قوات الجيش الوطني الليبي. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قام حفتر بخطوة مفاجئة وذلك بتسليم السيطرة على موانئ الهلال النفطي إلى فرع المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، بدلاً من فرع المؤسسة الوطنية للنفط المعترف به دوليا الذي يتخذ من طرابلس مقرا له.

وقد سلطت كل هذه الأحداث الضوء على إحدى القضايا الأساسية التي لا يمكن أن تحلها الانتخابات بمفردها، والتي تتمثل في التوزيع غير العادل للموارد، حيث طالب حفتر بإنهاء الفساد في مصرف ليبيا المركزي وإنشاء لجنة دولية للتحقيق في توزيع عائدات النفط الليبية. وعندما تلقى تعهدا بإنشاء هذه اللجنة، تعرض حفتر لضغوط دولية كبيرة، جعلته يتخلى عن سيطرته على المؤسسة الوطنية للنفط، فرع طرابلس، بعد ذلك بوقت قصير.

تسيير اللعبة السياسية في ليبيا

بالنسبة للمواطنين الليبيين، لا يتمثل السؤال الرئيسي الذي يشغلهم في “من ينبغي أن يكون رئيسنا؟”، بل في “كيف ينبغي استغلال موارد بلادنا الواسعة وتوزيعها؟”. مع ذلك، لا يوجد أي مؤشر على أن هذه العملية الانتخابية الحالية ستعمل على حل مثل هذه التساؤلات بطريقة منظمة. ومن خلال تحديد الانتخابات كوجهة نهائية في إطار زمني محدد، دون أي قواعد تحكمها أو تحديد لصلاحيات الفائزين، فقد أصبح الجميع معرضا للخطر. كما أن أولئك المستعدون لاستخدام القوة الغاشمة وللعب القذر متأهبون جيدا للمضي قدما. ومن المفارقات أن الحديث الانتخابي يخاطر بمزيد تقويض المؤسسات الناشئة الخاضعة للمساءلة في البلاد وإعاقة أي عملية ناشئة نحو الحكم الديمقراطي.

التدوينة ديمقراطية عرجاء في ليبيا: انتخابات تفتقر إلى وجود مؤسسات ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ديمقراطية عرجاء في ليبيا: انتخابات تفتقر إلى وجود مؤسسات”

إرسال تعليق