طرابلس اليوم

الخميس، 30 أغسطس 2018

حلف الطغيان الفوضوي، والفوضى المنفلتة في ليبيا

,

هشام الشلوي/ كاتب ليبي

استعرت هذا النماذج التفسيري، أي حلف الفوضى والطغيان من محمد المختار الشنقيطي في كتابه الفذ “الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي” 
ينقل الشنقيطي عن ابن عباس تفسير قوله تعالى ” قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ” حيث فسّر العذاب الذي يصيب المجتمعات من فوق بأنه “ولاة الجور” والعذاب الذي يصيبها من تحت بأنه “سفلة السوء”

يضيف الشنقيطي “ويتحلل الاجتماع السياسي بطريقتين مناقضتين للحرية والنظام – اللذين هما عماد الاجتماع الإنساني السليم- وهما :الطغيان والفوضى. فالطغيان قتل صامت لروح الأمة، والفوضى قتل صاخب لها” ص 262

وقعت ليبيا بعد عام 2011 أسيرة لنموذج الفوضى، وبعد عام 2014 خضعت لنموذج آخر لا يقل ضرواة عن سابقة، وهو الاستبداد الفوضوي الذي ظهر على يد الجنرال خليفة حفتر في العملية التي أسماها “الكرامة”.

في شرق ليبيا حيث حفتر يحكم، لا يحكم نموذج الاستبداد في شكله التقليدي الذي يفرض سيطرته القعمية على الجغرافيا والبشر، بل هو مزيج من الاستبداد والفوضى القاتلة.
بينما في غرب ليبيا تظهر الفوضى في أجل صورها، حيث الصراع المميت على مقدرات الدولة بين بارونات وقادة المليشيات المسلحة.

فوقع الشرق في أيدي ولاة السوء، ووقع الغرب والجنوب الليبي بين براثن سفلة السوء، وكلاهما ولاة السوء وسفلة السوء يغذي بعضهما البعض، وكل واحد منهما هو نتيجة منطقية تؤدي إلى الآخر.

هذا النموذج الفوضوي الاستبدادي ليس بدعة أنتجها الليبيون، بل هو تقليدي عربي من لدن معاوية بن أبي سفيان، الذي وضع الأمة بين خيار الحرب الأهلية الدامية، أو الاستبداد والتوريث، حيث اضطر الحسن والحسين ابنا علي إلى أن يوقعا وثيقة الاستسلام التي سماها الفقهاء عام الجماعة، فلا الأمة حافظت على الوحدة التي نشدتها، ولا هي تمسكت بقيم الحكم الرشيد التي جاء بها الرسول صلى اله عليه وسلم، وسار عليها خلفاؤه الراشدون من بعده.

وقعت ليبيا بين فخي الفوضى المستبدة، وأختها المنفلتة من كل عقال، ففي شرق ليبيا الذي يقبع فيه الجنرال حفتر، لم تنته الفوضى رغم نموذج حفتر الشمولي الذي من المفترض أن يبسط سيطرته على رقاب الناس بسل سيف الطغيان، وفي غربها وجنوبها انحدرت البلاد إلى حضيض الحروب المحلية بين سادة الكتائب وعرابيها لا طمعا في الوحدة أو سعيا بين صفا الديمقراطية ومروة الاستقرار، بل لهثا مجنونا خلف خزائن البنوك أي ما قل حمله وكثرت قيمته.

يقع الشعب في هاتين الحالتين بين خيارين عدميين، الأول التفرج ومشاهدة الفوضى العامة، والثاني هو دعم الاستبداد. في كتاب الأزمة يقول الشنقطي ” فقد نقل مؤرخ الثورة الفرنسية ألبير سوبول عن أحد قادة الثورة قوله ” لقد انتقلنا بسرعة من العبودية إلى الحرية، ونحن نسير بسرعة أعظم من الحرية إلى العبودية” ويقصد السياسي الفرنسي أن الفوضى التي سادت بُعيد الثورة الفرنسية سرعان ما قضت على منجزات الثورة، حتى أصبح الناس راضين بعودة العبودية السياسية التي كانوا يعيشونها قبل الثورة، بسبب ما عانوه من انفلات أمني وتهديد لحياتهم الشخصية والاجتماعية” ص 265

لعل هذا ما يبرر التحسر والتحسف لدى كثير من الليبيين على أيام حكم معمر القذافي، التي تظهر لدى هؤلاء الناس بجهد يسسير من المقارنة أنها أفضل من والي السوء في الشرق، أو سفلة السوء في الغرب والجنوب الليبي. لكن الشعار الأهم الذي يجمع بين ولاء السوء وسفلة السوء أو إن شئت قل برنامج العمل الذي يجمع بينهما هو كما يقول صاحب الأزمة” وأمرهم فوضى بينهم” 

يكاد تكون ليبيا من البلدان القليلة في الاجتماع الإنساني التي جمعت بين نموذجين في ظاهرهما التعارض وفي بطانهما التعاضد، وهما الاستبداد الفوضوي، والفوضى بلا حدود.

 

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك

التدوينة حلف الطغيان الفوضوي، والفوضى المنفلتة في ليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “حلف الطغيان الفوضوي، والفوضى المنفلتة في ليبيا”

إرسال تعليق