طرابلس اليوم

السبت، 25 أغسطس 2018

خروف العيد

,

عبد القادر الاجطل/ صحفي وكاتب ليبي

 

في أحد الأحياء العريقة المتفرعة من شارع عمر المختار وسط العاصمة طرابلس وإلى جوار جامع بلخير الذي بقي شاهدا على عقود متعاقبة من تاريخ الحي، وصلى فيه الأطفال حتى هرموا، وارتاده الرجال حتى فارقوا الدنيا وحُملوا على الأعناق إلى مثواهم الأخير في مقبرة سيدي منيدر…

 

في ذلك الحي وفي بيت من بيوته القديمة كان يسكن عبد الرزاق الرجل الصابر وعائلته الممتدة.

 

بيت كثير الغرف كثير البركة لم يعرف الترف له مكانا فيه ولكنه بيت أسس على صلة الأرحام من أول يوم.

 

في غرفة من غرف هذا البيت العربي كان والد عبد الرزاق ووالدته اللذان بلغا من الكبر عتيا ولم يعودا قادرين على ممارسة كثير من نشاطاتهم اليومية إلا بمساعدة ابنتهم التي تعيش في غرفة أخرى من الغرف مع ابنتها التي لم تتزوج بعد رغم أنها قاربت الثلاثين من العمر وقد رفضت حديثا الزواج من آخر رجل تقدم لها لأنه متزوج من امرأة أخرى ولديه منها أولاد فلم ترد أن تكون سببا في تعاسة تلك المرأة ورضيت أن تبقى مع والدتها تنتظر نصيبها بصبر وتواصل عملها في المدرسة المجاورة أستاذة فصل للسنة الأولى من المرحلة الابتدائية.

 

عبد الرزاق يعيش في غرفتين من غرف البيت إحداهما له ولزوجته وابنته التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها بعد وأخيها الرضيع الذي لا يزال في الشهر الخامس من العمر والغرفة الأخرى لابنتيه التوائم اللتين سيكملان عامهما السادس الشهر القادم وسوف يلتحقان بالمدرسة التي تعمل فيها ابنة عمتهما، عبد الرزاق موظف في وزارة التعليم بالعاصمة طرابلس وزوجته أيضا تعمل في نفس المبنى الذي تشغله الوزارة، والد عبد الرزاق ووالدته يتلقيان مرتبين من الضمان الاجتماعي لا يكادان يفيا بمتطلبات شيخوختهما، في حال حصولهما عليهما، ومرتب عبد الرزاق وزوجته وابنة أخته يتراكم في مصرف الجمهورية القريب من سكنهم دون أن يتمكنوا من قبض أي مبالغ نقدية منه منذ شهر رمضان الماضي.

 

ذهب عبد الرزاق ليلا إلى جارهم الذي يعمل محاسبا في فرع مصرف الجمهورية الذي فيه حساباتهم جميعا الوالد والوالدة وابنة الأخت والزوجة إضافة إلى حساب عبد الرزاق الشخصي، ولما التقاه تساءل عن القيمة التي سيصرفها المصرف لكل حساب في هذا العيد فأبدى جاره استعداده للمساعدة واستلم منه صكوكا للحسابات الخمسة على أن يسحب له قيمتها التي سيقررها المصرف ويوصلها له في بيته.

 

وعاد عبد الرزاق إلى بيته فرحا مسرورا بعد أن كان قد اهتم واغتم بسبب قرب العيد وخوفه من عدم قدرته على شراء أضحية للعائلة.

 

عبد الرزاق كان يتدبر أمره عادة عندما يمرض أحد والديه أو تنجب زوجته باستخدام الصكوك نظرا لنقص النقود وصعوبة الانتظار على أبواب المصرف وكان لا يقصد جاره الموظف بالمصرف إلا في الأوقات الطارئة، كل شيء كان مؤجلا لدى عبد الرزاق إلى أن تنفرج هذه الأزمة فصيانة البيت الذي يسقط طلاء سقفه عليهم ويسرب المياه في الشتاء كانت مرتبطة بالفرج المرتقب، وشراء سيارة مستعملة هو أيضا ضمن قائمة المؤجلات، وعلاج الوالد في تونس من مرض يعاني منه معلق بانفراج الأزمة.

 

أحب الأغاني لدى عبد الرزاق هي المنفرجة “اشتدي أزمة تنفرجي” وأكثر كلمة تتردد على لسانه “ما بعد الضيق إلا الفرج”، وهو لا يحب المتشائمين من الناس الذين ضاقت نفوسهم عن الرجاء بعد أن ضاقت الحياة بمتطلبات معيشتهم ولم ينظروا من وراء الغيب المحجوب إلى طلوع الفجر بعد ظلمات الليل الحالك وشروق شمس جديد بعد غروب وانطفاء في يوم سابق.

 

عبد الرزاق يتخذ من بر والديه حبلا يتعلق به لمواجهة الأزمات وهما لا يفتران عن الدعاء له “بالربح” والنجاة من كل كرب، ويتحصن بالإيمان والإحسان إلى الناس في مواجهة كل الشدائد.

 

طرق جارهم الموظف بالمصرف باب البيت وسلمهم النقود في غياب عبد الرزاق، فلما عاد لم تسعه الدنيا من الفرح وخرج ساعيا نحو سوق السعي قبل العيد بيوم واحد  ليشتري خروفا لم يبق له من النقود التي تحصل عليه من الحسابات الخمسة إلا مبلغا يسيرا.

 

ووضع الخروف وسط البيت العربي في انتظار العيد، ومنذ الصباح خرج لصلاة الصبح في مسجد بالخير ثم عاد إلى البيت وانتظر صلاة العيد ثم وبعد أن صلاها مع الجيران والأصحاب وتبادلوا التهاني بالعيد عاد إلى البيت وغير ثيابه وأخذ سكينه واتجه إلى حيث ربط الخروف في زاوية البيت، وربطه وأضجعه على جنبه ثم جهر بقوله اللهم هذا عن عبد الرزاق وولده وبناته وزوجته ووالده ووالدته وأخته وابنتها بسم الله الله أكبر وأهوى بالسكين على رقبة الخروف فذبحه.

 

عبد الرزق سلخ الخروف وقطعه وشوت زوجته لهم قطعة من كبده وأطعم منها والده ووالدته وهما يلهجان بالدعاء له بالرضا والسعة والعافية، وأكلت اخته وابنتها وأكلت زوجته وبناته من الشواء وأكل هو وقرت عينه بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه ودخل ليستحم ليخرج إلى شارعهم ويعيد على الجيران الذين لم يرهم في الصلاة ويبشرهم بقرب الفرج.   

التدوينة خروف العيد ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “خروف العيد”

إرسال تعليق