طرابلس اليوم

الثلاثاء، 23 مايو 2017

اقتفاء الحوار السياسي الليبي  2

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

في غدامس كان لقاء الفرقاء الليبيين، دون أن يلتقوا بنقطة واحدة، ينطلقوا منها، وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا ” برناردينو ليون ” يعمل حتى تلك اللحظة في إطار المهمة الموكلة إليه، ولم يكن ليجرؤ علي تجاوز محددات حلبة الصراع، فكانت الأمور ببدايتها بيد المتخالفين، من أعضاء مجلس النواب، الملتحقين منهم والمقاطعين، لكنه — أي المبعوث الأممي  — أدرك وبشكل مبكر أن سياج الحلبة ليس ماديا ولا ملموسًا، بل هو مرسوم بشكل وهمي، يمكن له تجاوزه وتجاهله متى وكيفما يشاء، بل وجعله حدًا فاصلاً، بعلق به أصحاب القضية، دون أن يدروا في بداية الأمر، ولم يكن لهم لاحقًا التخلص من شباك الماهر ” ليون “.

فقد عرف أن الخلاف له أبعاد أكبر من اختيار طبرق كمكان،  لعقد جلسة البرلمان الافتتاحيه، مع تجاهل نصوص مخرجات لجنة فبراير، وإغفال لائحة العمل الداخلي للمؤتمر الوطني العام، مع وجود أيادٍ خفية تخدم مصالح تتقاطع مع دوائر النفوذ تارة، وتتنافر تارة أخرى مع مكيال ثقل المكاسب.

الغريب هو أن المبعوث الأممي الي ليبيا تجاهل متعمدًا القاعدة التي يبني عليها البعض في مثل هذه الحالات، بعد أن خالف نهج سياسة القضم ثم الهضم، فقد بلع إرادة بعض الخصوم، وأفرغها ! ! فلجأ لتوسيع دائرة الحوار، لتزداد معها الفرقة، وليكب طرف من الخصوم دلو مائهم بنصف بئر الطرف الآخر، والماء واحد، ورغم أنه رأى في غدامس حيادية تفتقدها بعض المدن الليبية الأخرى، أقلها أنها لا تقع بين تروس الجغرافيا بين شرق البلاد وغربها، فلم يكن بوسعهم الالتقاء في أي مدينة ليبية مصنفة سياسبًا ولا جغرافيًا، بعد طبع المكان هوية الصراع، صحيح أن بعض اللاعبين قد ارتدوا غلالات تخالف جغرافيتهم، بل وأصبحوا أكثر شراسة بالصراع ممن هو محكوم بجغرافية المكان، لكنها الآنية و ” البرغماتيا ”  المغلفة براء الشعارات، و ” الممكيجة ” بمعاطف فصول الصراع السياسي في ليبيا .

وبهذا توسعت دائرة الخلاف، ودخلت عليه أطراف لم تولد من ذات الرحم، منها ما كان جواز عبوره تواجده الإعلامي، وآخر لنشاطه السياسي الشخصي، وثالث لحضوره الأهلي، لكن منهم من دُعى، ولم يكن لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل وتصدر المشهد، وأشار إليهم، وتفكيك هذه المعادلة الجبرية، ليس بإمكان أحد أن يقدم لنا خطوات حلها، ولا نتيجتها النهائية سوى المبعوث الأممي نفسه، ووسط هذه الكيمياء الغريبة طرح بعض المعنيون بالمشهد السياسي الليبي تساؤلاً حول طبيعة الخلاف، هل هو تأزيم، أم أريد له أن يكون تأزيميًا، وفي حقيقة الأمر فإنه سؤال له قبول، ويعبر عن واقعية الصراع.

لكن ومن خلال وجهة نظري الشخصية، وعبر معطيات كثيرة ومن خلال ما كنا نشاهده ونسمعه من فريق حوارنا بالمؤتمر الوطني العام، ومن مراسلات رئيس البعثة ” ليون ” فإن البعض لم يكن ليقبل بخلطة التأزيم وحسب، وإنما كان يسعد بها، ولها يطرب، ففيها يجد استقرار عرشه السياسي، ومنها تصعد مكاسبه المادية والشخصية، هذا مؤلم حقًا، لكنه واقع فج، وتعاطٍ محزن، والأيام ستدلل بقوي البرهان على ذلك، إن لم تكن قد أطلقت حكمها النهائي حوله، وبشكل مبكر ازداد الانقسام السياسي، وتعقد المشهد في ليبيا، وعمل الوقادون علي النفخ من جميع الجهات بكير الصخيرات، صحيح أن حممه لم تطل الجميع، ولم تحرق معاطفهم، لكن الاتساخ كان معلومًا، رغم عمليات الترقيع المصاحبة، هكذا كان النافذون المتنفعون، فلم يدخروا جهدا لهز أرجوحة الصخيرات والعمل علي تخبطها، ساعدهم في ذلك ذوبان الثلج الذي لم يكن أبيضًا، وخالف الفطرة المعهودة بل كان دافئًا، جمعهم علي وليمة، اختلط غثها بسمينها، لم يكن كل المتحولقين بمحيط طاولة الصخيرات هم المعنيون بهذا، بل كان هناك ممن هم بمدرجات الملعب، ويوحي لهم بزخرف القول غرورًا، سواء من بعض السفراء، أو ساستنا، أو الفئة غير المنظورة، ولا يعني هذا انفراط الصف الوطني المهموم بمستقبل ليبيا وشعبها، لكنه حديث العموم، ومن بعده الفرز لنا ولمن بعدنا.

حاول البعض أن يدفع العربة قُدمًا، بغية الافلات من الوضع المعقد، والذي أثقلت تداعياته رأس وجيب المواطن الليبي، لكن هذا أسعد المبعوث الأممي، بعد أن أهديت إليه مفاتيح خارطة الصراع في ليبيا، سواء علم بذلك المتشاققون أم لا يعلموا، ومنها تحول المبعوث من وسيط داعم ، إلى لاعب رئيس، وبسرعة البرق أصبح يأمر وينهى، ويدعو ويؤجل، ويوافق ويعترض، بل ويرفض مقترحات الأطراف دون عرضها علي الآخر ( نقل إلينا هذا فريق حوارنا وعلي مسمع أعضاء المؤتمر بجلسات علنية منها ما كانت منقولة علي الهواء مباشرةً ) لم يكتفِ “ليون” بهذا، بل إنه ساعد علي تصعيد الجانب النفسي بين المتحاورين، بأن  جعل هزة الرأس ترحيبًا، أو ابتسامة مفتعلة، ترقى لدرجة من درجات الخيانة — كنت عضوًا بلجنة تقييم أداء فريق حوارنا — وعند استماعنا لإحاطة أعضائه بشكل متفرد ورد هذا علي لسان البعض منهم، فقد اتهم هذا ذاك بأنه صافح أو تحدث علي انفراد بجلسة شاي أو حديث جانبي، وما حادثة ترجل عضو فريقنا محمد معزب علي شاطئ الصخيرات مع رئيس فريق حوار البرلمان محمد شعيب عنا ببعيدة، لم تتمخض عن جولات غدامس وجنيف أي نتائج تذكر، لكنها أوضحت وبشكل مبكر حاجة القلة لتحقيق بعض المكاسب. أشير إلى أن رئاسة المؤتمر الوطني العام قد كلفتني بالذهاب للعاصمة التونسية، رفقة اثنين من أعضاء المؤتمر، لملاقاة المبعوث الأممي، قبيل انطلاق جولات الحوار، أملاً في تعديل إعواجاج طال تركيبة عموم المتحاورين وانتقائهم، وهو ما سنتعرض له بالحلقة القادمة.

التدوينة اقتفاء الحوار السياسي الليبي  2 ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “اقتفاء الحوار السياسي الليبي  2”

إرسال تعليق