طرابلس اليوم

الأحد، 28 مايو 2017

هل هناك فعلا إرادة لبناء دولة القانون والمؤسسات كما يصرخ بها الجميع؟

,

 

أحمد سوالم/ كاتب ليبي

لا شك بأن تحديد مسؤوليات واقع التردي والضياع والتخلف القائم حاليا في ليبيا, ليست من المهام الصعبة والشائكة في ظل توافر إمكانات الرصد والمتابعة والوعي الدقيق لمجمل مشاكلنا الداخلية والخارجية الراهنة التي باتت, بالرغم من تحديدنا لها, عصية على الإصلاح والتغيير.

ويمكن الاستنتاج مباشرة ومن دون أية مواربة أو أدنى شكوك, حيث أن الوقائع والشواهد العملية في واقعنا أبلغ وأوضح من أية محاولة لحجبها, نحن لم نتمكن بعد من تكوين بذور لدولة مؤسساتية وإقامة نظم حكم قانونية حقيقية بالمعنى العملي والإصلاحي للكلمة, وأن الواقع الراهن يعبر أصدق تعبير عن فشل نخبنا السياسية الحاكمة (إن افترضنا جدلا وجود نخب سياسية) في الوصول إلى بناء لبنات لهيكلية عملية واضحة تدوم وتستمر.

فنحن لا نزال نعيش في ظل نظام “أهلية قبلية” عتيقة غير مدنية, بعيد عن منطق العصر والتطور والحداثة السياسية وغير السياسية, ولا مكان فيه لأية منهجية تفكير علمية رصينة, أو وعي قانوني مؤسسي, أو هياكل إدارية مدنية منتجة, ولا يعلو فيه سوى صوت معارك وصراعات العنف والتاريخ والهويات القاتلة, معارك الماضي والسلف “الصالح!!”

وفي سياق رفض تلك “النخب” القبلية لمنطق وقانون التغيير ومحاربتها لسنة التحول والتداول السياسي والاجتماعي الطبيعي, استجابة لمنطق تغير الحياة وتطور الإنسان, ومنعها لأية محاولة يمكن من خلالها تشييد البنى الأساسية لإقامة مجتمع مدني متطور, فقد وصلت بها الأمور أن تقف بقوة حتى في وجه أي عامل تقدم علمي أو تقني (وليس سياسيا فقط), وتمنعه من النفاذ أو الدخول إلى المجتمعات إذا كان يمكن أن يشتمّ من دخوله أية رائحة للتغيير أو أي حراك بسيط قد يفضي إلى حرف للأوضاع القائمة, أو تغيير بالأفكار ومن أي نوع كان, في العقلية أو السلوك أو التوازنات الإجتماعية أو السياسية.

ولا تزال تلك النخب القائمة تعمل, في سياق إحكام قبضتها على مجمل الحياة العامة, وإسقاط أية محاولة لتغيير أو إصلاح الوضع العام على أي مستوى من المستويات التي تهم واقع وحياة ومعيشة مواطنيها ومجتمعها, على تكريس ثقافة الفساد والإفساد كجزء من سياسة المواجهة بينها وبين بعض مختلف الفئات الاجتماعية المتضررة والمختلفة الساعية بأي ثمن للتغيير والضاغطة بشدة لإحداثه مما يجعلها تخصص قسما كبيرا من موارد الدولة وإمكانات المجتمع المادية والمالية والبشرية الهائلة المتوافرة من أجل تكريس وجودها, وحماية مصالحها وصون امتيازاتها, وضمان بقائها واستدامة سطوتها وانفلاتها من القانون والمحاسبة والمساءلة.

وهكذا لم يبق هناك, أي هامش لتحقيق أي لون من ألوان الاستثمار الحاضر والمستقبل في مجمل الرأسمال الروحي والمادي لمجتمعنا, لا في إنسان (من خلال فكره وعقله وطاقاته ومواهبه) ولا في الواقع والطبيعة (ابداعات واكتشافات وانتاجات مختلفة) لأن الليبي باختصار منكفئ عن ساحة العمل والانتاج والإبداع, ومستغرق في هموم معيشته وتامين متطلبات وجوده الأساسية من مأكل وملبس ومشرب, ولا يهمه أي شيء آخر سوى تحصيل زاده وتأمين لقمة الأكل لأسرته وأبنائه وفقا لمنطق: (اللهم أعطنا خبزنا كفاف يومنا).

من هذا المنطلق فإن الأمل بحدوث تطورات حقيقية في مجتمعنا, مرهون ليس فقط بمدى قدرتنا الفكرية والعملية على الإستجابة الفاعلة لتلك التطورات, وإنما مرهون, وبشكل أساسي, إلى ضرورة إحداث تغييرات هائلة على صعيد الحكم وإشكاليات السلطة والمشاركة والحرية, لأن الأصل في إحداث أي تغيير حقيقي هو في امتلاك القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المسؤولة والمعبرة عن طموحات الناس والمنسجمة مع تطورات و تغييرات الحياة الدولية… وهنا التغيير المطلوب لن يتحقق لوحده بقدرة سماوية, بل لا بد من إرادة جماعية فاعلة لتحقيقه.

و في النهاية, إن المطلوب إنجازه فورا وبلا أية مواربة هو السعي للتغييرات الهادئة ولو طالت, لأن منطق التغييرات الثورجية السريعة ثبت عقمه وفشله, المطلوب العمل بهدوء على بناء “الإنسان-الفرد-المواطن” المنتج والفاعل والمأمون والحر في عيشه وفكره ومعتقده السياسي وغير السياسي, والحاصل على حقوقه الإقتصادية والسياسية وغيرها, من خلال إقامة مجتمع تعددي محكوم بسلطة سياسية ونظام ديمقراطي تداولي أساسه وجوهره خدمة مصالح هذا “الفرد-المواطن” صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المبدأ والمنتهى, هذا هو الهدف والغاية الأسمى ولو جاءت بعد ألف عام, المهم أن نبدأ وننطلق وتشتعل شرارة البدء.

التدوينة هل هناك فعلا إرادة لبناء دولة القانون والمؤسسات كما يصرخ بها الجميع؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “هل هناك فعلا إرادة لبناء دولة القانون والمؤسسات كما يصرخ بها الجميع؟”

إرسال تعليق