طرابلس اليوم

الأحد، 28 مايو 2017

لإفطار بعد الصيام … لا تملأ بيت الداء

,
أحمد محمد/طبيب وكاتب ليبي
لا شك في أن عادات كثير من الناس فيما يتعلق بالغذاء سيئة وهو ما يسبب لهم مشاكل صحية يومية إضافة إلى ما يترتب على هذه العادات من مشاكل صحية مزمنة تؤثر على حياة الإنسان بشكل عام في المستقبل.
وفي شهر رمضان المبارك، الذي يحمل في أيامه اهتماما خاصا بالطعام تكثر هذه العادات الصحية التي تسبب اكتساب الوزن الزائد واختلال معدلات السكر إضافة إلى التلبك المعوي أو ما يعرف بعسر الهضم وغير ذلك.
في شهر رمضان دائما ألاحظ أن الطلب يتزايد على “الفوار” الذي يستخدم لعلاج عسر الهضم الذي يعاني منه بعض الصائمون بسبب كثرة ما يتناولونه من طعام بعد الإفطار، وهذا الأمر خاطئ بكل تأكيد.
وذلك لأن المعدة معدة لاستقبال قدر معين من الطعام ويجب أن لا تمتلئ بشكل كامل حتى يتسنى لعضلاتها العمل والانقباض بشكل مناسب أثناء عملية الهضم.
وعلاج هذه المشكلة أو تجنبها سهل جدا ويتمثل في تقليل مقدار الطعام وتقليل السوائل المتناولة مع الطعام مباشرة بعد الإفطار.
تتأثر الشهية بعوامل مختلفة منها معدل السكر في الدم وهو عامل مهم في الشعور بالجوع، لذلك فإن تناول وجبة خفيفة بعد الإفطار مباشرة من التمر مثلا أو النشويات أو السكريات والانتظار بعدها لفترة قصيرة يساعد في ارتفاع معدل السكر في الدم ويقلل الإحساس بالجوع عند تناول وجبة الطعام الرئيسية.
اتباع هذه العادة جيد جدا لتقليل كمية الطعام المتناول مباشرة بعد الإفطار، ولحسن الحظ تعودنا على هذه الطريقة في العائلة منذ صغرنا قبل تعرفي على التفسير العلمي للأمر ومدى أهميته في التقليل من مشاكل الأكل الزائد.
السوائل مهمة جدا لجسم الإنسان لا سيما وأن نسبة كبيرة من أجسامنا مكونة من الماء، ولذلك يجب الحفاظ على تناول لترين من الماء يوميا لسد ما يخسره الجسم من السوائل، ولكن على الرغم من أهمية السوائل لأجسامنا إلا أن تناولها بطريقة صحيحة ضروري.
المعدة تعمل على هضم الطعام من خلال مزجه بالحامض، وهذا الحمض كغيره تقل درجة حامضيته عند اختلاطه بالماء ، ولذلك فإن تناول كميات كبيرة من الماء مع وجبة الطعام يساهم في الإضرار بعملية الهضم من خلال تقليل درجة الحامضية.
ولتجنب هذه المشكلة يجب التقليل من السوائل المتناولة مع الطعام، مع المحافظة على معدل شرب المياه بما يقارب اللترين يوميا، وهذا أمر ممكن من خلال تقسيم عدد أكواب الماء على ساعات الإفطار وعدم الإسراف في شرب المياه مع وجبة الإفطار.
كوب واحد من الماء مع الإفطار ووجبة معتدلة غير مبالغ فيها والانتظار لفترة ساعة أو ساعة ونصف بعد الإفطار قبل شرب كميات كبيرة من الماء، كل هذه الأمور تساهم في التقليل من الإحساس بالتلبك المعوي الذي يشعر به كثير من الناس خلال الشهر المبارك.
على كل حال لست بصدد الحديث عن المسائل الشرعية الخاصة بالصيام، ولكن أعتقد أن شهر رمضان والصيام جعلا للإحساس بالجوع وبمعاناة الفقراء وليس الهدف من الصيام الإسراف في الإكل بعد الإفطار أو تنوع الأطعمة.
ولذك ومن أجل المحافظة على الصحة الجيدة خلال رمضان وفي سائر شهور السنة، يجب أن يحاول الإنسان أن يتبع نظاما صحيا نوعا ما للوقاية من السمنة وما تسببه من مشاكل صحية كبيرة، وهذا الأمر ممكن للإنسان الخالي من الأمراض المزمنة أو الهرمونية من خلال ضبط معدل الأكل وأنواع الأطعمة، والتقليل من السكريات والدهون وممارسة القدر الممكن من الرياضة يوميا.
مشكلة الإمساك تواجه كثيرا من الناس أيضا وسببها هو قلة شرب الماء وقلة الألياف في الأطعمة وكثرة الاعتماد على الدقيق المكرر ، والتغلب عليها ممكن من خلال زيادة شرب الماء وزيادة الألياف في الأطعمة وهي موجودة في الخضروات بشكل عام، وفي الدقيق الكامل.
وفي النهاية وربما تكون هذه النقطة هي الأهم، يجب أن نعرج على السحور، لأنه الوجبة التي تساعدنا على الصيام وتحمل الجوع والعطش خلال اليوم التالي.
إذا علمنا الهدف من السحور يمكننا أن ننتبه جيدا إلى أن الأطعمة صعبة الهضم وخاصة النشويات المعقدة هي الخيار الأفضل لوجبة السحور، ومن خلال تجربتي الشخصية وجبة من الخبز والفول تساعد بشكل كبير جدا على الوقاية من الشعور بالجوع خلال اليوم التالي.
ولكن لماذا؟ هذه النشويات ليست سهلة الهضم، ولذلك تأخذ عملية هضمها بعض الوقت، وهو ما يمد جسدنا بمعدلات من السكر خلال فترة أطول من الزمن، الأمر يختلف عند الحديث عن السكريات البسيطة، التي تصل إلى الدم بشكل سريع وكبير مما يحفز الجسم على إفراز الإنسولين.
هذه المعدلات العالية من السكر في الدم وإفرازات الإنسولين التي تقوم بتخفيض معدل السكر، تأتي أحيانا بتأثير عسكي، فيشعر الإنسان بعد وجبة السحور بفترة بالجوع بشكل أكبر ممن يتناول الأغذية المعقدة في سحوره.
هناك أيضا أمر آخر السكريات والملح، تعمل على زيادة الشعور بالعطش، وذلك لأن الجسم يحتاج إلى السوائل بعد ارتفاع معدلاتها لمعادلة النسب والمساهمة في الإخراج.
وهناك بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالطعام، ومنها مثلا أن التمر جيد في السحور وأنه لا يرفع معدلات السكر بشكل كبير، وهذه معلومة خاطئة فالتمر فيه نسبة عالية من السكريات، ولذلك يستحب الإفطار بمقدار معتدل منه لرفع معدل السكر سريعا في الدم، ولا يحبذ تناوله في السحور نظرا لما سبق ذكره.
أما فيما يخص المصابين بالأمراض المزمنة وخاصة السكري وضغط الدم فيجب عليهم ألا يكتفوا بالنصائح العامة، ولكن من المهم أن يتابعوا أطباءهم قبل رمضان وبعده وأثناء الصيام وأن يلتزموا بتعليماتهم، وألا يتركوا الأمر للبركة فقط، لأن ديننا يأمر بالعلم والتعلم والوقاية والحفاظ على النفس.
على كل حال، المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، هذا ما قاله الحارث بن كلدة، وهي حكمة صحيحة بشكل كبير، ويصعب الخوض فيها إلا من خلال محاضرات وساعات شرح طويلة لمتخصصين على الرغم من بساطتها، ولكن ما يفهم منها بشكل بسيط جيد ومفيد وهو أن الإسراف في الطعام سيئ للجسم كما هو الحال في الإسراف في كل شيء آخر في حياتنا.

التدوينة لإفطار بعد الصيام … لا تملأ بيت الداء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “لإفطار بعد الصيام … لا تملأ بيت الداء”

إرسال تعليق