طرابلس اليوم

الأحد، 28 مايو 2017

الدولة العربية الحديثة ماذا بعد مائة عام ؟!

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي
أتمت الدولة العربية الحديثة مائة عام  على  نشأتها  ،  ومن حقنا أن نتساءل  بعد قرن من الزمن  عن نجاح هذا النموذج في بلادنا العربية .
و كما يعلم الجميع  أن ظروف نشأة الدولة الحديثة في أوربا وفي الغرب ترجع لعدة عوامل أبرزها كما تروي المصادر التاريخية  كان  الاقتتال الذي حصل بين البروتستانت والكاثوليك  عام 1648م  ولكن تظل المسألة الأهم في نشوء هذا النموذج ترتكز على قضية جوهرية هي : خدمة الإنسان ، وجعله مركز الاهتمام في مختلف القضايا السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، من خلال  تنافس مختلف القوى السياسية على خدمة القضايا الاجتماعية ، وفق برامج سياسية تصب في خدمة الإنسان الأوروبي .
فالشاهد من سوق ما سبق  أن  النموذج الذي ظهر عندهم جاء متوافقاً مع حصيلة تفاعلات اجتماعية  حصلت على الأرض ونقاشات فكرية أخذت وقتها  وتفاهمات وتفاوض تنطلق من مرجعيتهم الثقافية  ؛ فجاء النموذج ملبياً لطموحات هذه الشعوب  منسجماً مع رؤيتها الفكرية  والمستقبلية .
على خلاف ما حصل في العالم العربي الإسلامي فقد فُـرضت هذه الدول فرضاً بعد سقوط الخلافة العثمانية  ، وحاول الاستعمار أن يملأ الفراغ السياسي في معظم مناطق العالم العربي  ، و عند  قراءة العوامل التي ارتبطت بظهور الدولة الحديثة في العالم العربي والإسلامي يمكن الخروج بملاحظة أساسية هي أن ميلاد الدولة الحديثة في المنطقة العربية كان تعسفياً  قسرياً ، وأنه لم ينتج عن تطور اجتماعي وسياسي طبيعي .
و لعل هذا مما نبّه إليه  برهان غليون في كتابه  “نقد السياسة” حين قال  “لقد دخلت الدولة الحديثة في الحياة السياسية العربية كثمرة جاهزة ، مقطوعة عن الخبرة التاريخية الطويلة التي أنشأتها، وفاقدة لنظم القيم الفكرية والأخلاقية التي تعطي للمجتمع القدرة على التعامل الصحيح معها ، وهذا هو الذي يُفسر لماذا تحولت الدولة الحديثة في الواقع العربي إلى فكرة هشة الجذور والمرتكزات ، وقليلة العمق في الشعور أو في الضمير الفردي والجمعي ، مفتقرة في ذاتها إلى روح الحركة، وفاقدة للغايات الحافزة، وعاجزة عن الإنجاز”
فهذا السبب كفيل برفضها إذ أن استحضار نموذج _ولو كان ناجحاً _ وزرعه وفرضه على جماعة من البشر لن يؤتي نفعه ما دامت هذه الجماعة لم  تؤمن بأهميته ولم تعايش نشأته وتستشعر أسباب ظهوره  ، ثم تسعى إلى تطبيقه بمدى إيمانها بحاجتها إليه .
ومما يجدر الإشارة إليه أيضاً أنه قد حدثت جملة من التناقضات الفكرية بين ما ترتكز عليه الدولة الحديثة وبين الفهوم الإسلامية  لمسألة  الحكم  والدولة ، مما جعل الدولة تخفق  في الإجابة على كثير من التساؤلات  الحرجة لدى عامة الشعوب الإسلامية  الأمر الذي ولد  عجزاً  في مدى قدرتها على تحقيق الاستقرار الفكري والثقافي والذي نتج عنه بالضرورة خلل  في كل مناحي الحياة ، فبدأ التطرف الديني يظهر و يقابله تطرف علماني  وكل ينتصر لأيدلوجيته  فالعلماني يرى أن إخفاق تجربة الدولة وصولاً إلى الحداثة كان بسبب الموروث الديني  وعليه يجب   التخلص من هذا الموروث  التقليدي ، والفريق الثاني يرى أن استيراد الفكرة الغربية هو سبب حالة التغريب والاغتراب ولذا يجب محاربة ومقاطعة أي فكرة دخيلة .
وبجانب السببين السابقين فإنه  قد كشفت الأحداث الأخيرة التي ما تزال تتصاعد في  البلدان العربية عن أزمة وطنية كبرى ، تتمثل في هذا الفشل الذريع للدولة الوطنية العربية في بناء مجتمعاتها على قيم المواطنة والحكم الصالح .
فماذا قدمت الدولة الحديثة للمجتمعات العربية  ؟
لم تستطع تقديم شيء على مستوى المواطنة والحكم الرشيد ، ولا على مستوى التنمية المجتمعية أو الاقتصادية .
و قام عليها رجال وعائلات حاكمة لا ترى في الوطنية إلا عصبية إضافية تضاف إلى العصبيات الأخرى ، وأضحت الشعوب العربية رهينة للأفكار والأيدلوجيات البائسة ،  ومسرحاً  لمغامرات  الفكر القومي و الناصري و غيره من الأفكار  ولم تعرف الشعوب العربية منها إلا المصادرة و القمع الوطني وبناء السجون والنفي لمن يخالف توجهات  الدولة ، ووقفت موقف الضد والخصم  للمؤسسات المدنية والمجتمع الأهلي .
كل هذا كان ليضع الدولة العربية في ذيل القائمة  عند  القيام بأي تصنيف أو ترتيب لمعدلات التنمية والازدهار وتحقيق التنمية المكانية والمجتمعية مقارنةً بدول وشعوب العالم .

 

 

التدوينة الدولة العربية الحديثة ماذا بعد مائة عام ؟! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الدولة العربية الحديثة ماذا بعد مائة عام ؟!”

إرسال تعليق